الوقت- أكدت حركة حماس أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لن يساوم على كرامته ولن يقبل بمساعدات مشروطة تقدَّم تحت حرب الاحتلال، معتبرة أن ما تسمى المبادرات الإنسانية ليست سوى غطاء لتبييض جرائم الحرب الإسرائيلية، يأتي هذا الموقف في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، وسط مفاوضات سياسية متعثرة ومحاولات دولية لإيجاد هدنة مؤقتة لا تلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية.
موقف حماس: كرامة قبل المساعدات
في مؤتمر صحفي عقد في السابع والعشرين من يوليو 2025، صرّح باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، بأن الحركة لن تقبل أي مساعدات "ملوثة بالدم"، في إشارة إلى المبادرات الإنسانية التي ترافقها ترتيبات أمنية أو سياسية تخدم الاحتلال، وأوضح أن ما يحتاجه سكان غزة ليس مبادرات دعائية محدودة، بل مساعدات حقيقية وكافية تصل بلا شروط سياسية أو قيود أمنية.
أما القيادي في الحركة علي بركة، فقد أكد أن "إسرائيل" تحاول من خلال ما تسمى الهدنة الإنسانية الالتفاف على صمود الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن قوات الاحتلال تستهدف المدنيين حتى أثناء انتظارهم للحصول على المساعدات، وأضاف إن "أي مساعدات تأتي عبر الاحتلال أو برعايته لن تُقبَل، لأن ذلك يُعدّ اعترافًا ضمنيًا بسيطرته على مصير الفلسطينيين".
مأساة إنسانية تتفاقم
حسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، يواجه القطاع كارثة إنسانية غير مسبوقة، فقد سُجلت أكثر من 150 وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم عشرات الأطفال، بينما تعاني المستشفيات من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وأكد برنامج الأغذية العالمي أن ما يصل إلى غزة لا يتجاوز 20% من الاحتياجات الأساسية، حيث لا تدخل سوى نحو 60 شاحنة يوميًا مقارنة بـ500 شاحنة قبل الحرب.
وفي الوقت نفسه، حذرت منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" من أن استمرار الحصار يشكل عقابًا جماعيًا يخالف القوانين الدولية، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون قيود أو شروط سياسية.
تعثر المفاوضات الدولية
رغم حدة الأزمة الإنسانية، لا تزال المفاوضات التي ترعاها قطر ومصر والولايات المتحدة في حالة جمود، فقد صرح خالد الحية، رئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج، بأن «المفاوضات بلا قيمة إذا لم يسبقها رفع الحصار والسماح بدخول المساعدات بشكل كامل»، وأضاف إن حماس لن تقبل بأي هدنة لا تضمن وقف العدوان وفتح المعابر بشكل دائم.
على الجانب الآخر، اتهم المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف الحركة بـ«التعنت»، وأعلن تعليق جزء من جهود الوساطة بعد فشل المحادثات في الدوحة، مشيرًا إلى أن حماس "تستخدم المأساة الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية".
بين الكرامة والحصار
من خلال متابعة المواقف المختلفة، يتضح أن حماس لا ترى المساعدات مجرد حل إنساني للأزمة، بل تعتبرها قضية سياسية ترتبط بمفهوم الكرامة الوطنية، بالنسبة للحركة، فإن قبول مساعدات تحت إشراف الاحتلال أو بشروطه يمثل انتقاصًا من السيادة الفلسطينية واعترافًا غير مباشر بشرعيته.
في المقابل، تحاول "إسرائيل" تصوير الأزمة باعتبارها مشكلة إنسانية منفصلة عن الحصار، موجهةً اتهامات لحماس بعرقلة توزيع المساعدات واستخدامها كورقة ضغط في المفاوضات، وبين هذين الموقفين، يقف المجتمع الدولي عاجزًا عن فرض حل متوازن، بينما يظل المدنيون في غزة هم المتضرر الأكبر.
التقارير الحقوقية الصادرة مؤخرًا تبرز إخفاق المجتمع الدولي في حماية حقوق الفلسطينيين، إذ لا تزال المساعدات تدخل بوتيرة محدودة لا تكفي لإنقاذ الأرواح، ما يجعل الأزمة تتجاوز حدود الكارثة الإنسانية لتصبح أداة سياسية تُستخدم للضغط والتفاوض.
من الواضح أن أزمة غزة ليست مسألة مساعدات غذائية أو طبية فحسب، بل هي جزء من صراع سياسي أوسع، فرفض حماس لما تصفه "اللقمة الملوثة بالدم" يعكس تمسكها بمبدأ أن الكرامة الوطنية لا تُجزأ، وأن أي حل لا يبدأ برفع الحصار بشكل كامل وضمان وصول المساعدات بلا شروط سيبقى ناقصًا.
وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في هذا الملف، ليس فقط عبر الدعوات الإنسانية، بل من خلال الضغط السياسي الفعلي لإجبار الاحتلال على إنهاء الحصار، ودون ذلك، ستظل غزة عالقة بين جوع قاسٍ وحسابات سياسية معقدة، بينما يصرّ شعبها على الصمود ورفض المساومة على كرامته وحقوقه.