الوقت- أكثر من شهر مضى على حادثة مطار جدة في السعودية، عندما حاول شرطيان سعوديان الإعتداء جنسياً على شابين إيرانيين أثناء تفتيشهما في المطار، حيث أثارت تلك الحادثة مشاعر الشعب والحكومة الإيرانيين، ورأت الحكومة الإيرانية في هذه الحادثة اعتداءاً على كرامة المواطن الإيراني وغيرته، الأمر الذي دفع بالجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى إصدار قرار يقضي بإيقاف رحلات العمرة المتوجهة للسعودية، حتى تقديم الحكومة السعودية اعتذاراً رسمياً للحكومة والشعب الإيرانيين جراء ما اقترفته أيدي موظفيها في حق زوار الحرمين الشريفين، وحتى تقوم السعودية بمحاسبة الشرطيين اللذين أقدما على هذه المحاولة اللاأخلاقية وإنزال العقوبات المناسبة بحقهما.
شهر مضى ولم تنبس السعودية ببنت شفه، وتجاهلت الحكومة السعودية الأمر وكأن شيئاً لم يحدث، لم تقدم الإعتذار الذي من شأنه بلسمة الجرح الإيراني ولم تحاسب الشرطيين المعتديين كما كانت وعدت يوم وقوع الحادثة. وفي العودة إلى تفاصيل الحادثة المذكورة قام شرطيان سعوديان في مطار جدة السعودي بمحاولة الإعتداء الجنسي على شابين إيرانيين يبلغان من العمر 14 و 15 عاماً، وذلك أثناء عمليات التفتيش التي كان يخضع لها الشابان. الشابان الإيرانيان كانا ضمن مجموعة إيرانية قامت بأداء مناسك العمرة والزيارة في السعودية، وكانت في طريقها للعودة إلى إيران حينما قام شرطيان سعوديان بعزل الشابين المذكورين عن بقية أفراد المجموعة بحجة الشك بهما، وعندما اكتشف أفراد المجموعة الإيرانية نية الشرطة السعودية قاموا بإبلاغ القنصل الإيراني في جدة الذي حضر إلى المطار على الفور، وبعد إجراء التحقيقات اللازمة تم التعرف إلى الشرطيين السعوديين وقامت السلطات السعودية باعتقالهما.
على إثر هذه الحادثة استدعت وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال السعودي في طهران وأبلغته احتجاجها واستياءها جراء ما تعرض له الزوار الإيرانيون في مطار جدة، وطالبت الحكومة السعودية بمحاسبة الشرطيين المذكورين، حينها وعد القائم بالأعمال السعودي بمحاسبة المجرمين وإنزال أقصى العقوبات في حقهما الأمر الذي لم يحصل حتى هذه اللحظة.
يقول حسن قشقاوي مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القنصلية: "هذا السلوك (السلوك السعودي) مخالف للإنسانية والتدين، ونحن ننتظر قيام الحكومة السعودية بمحاسبة هؤلاء الأفراد وإنزال أقصى العقوبات في حقهم. ممثلوا الجمهورية الإسلامية الإيرانية في كل من الرياض وجدة سيتابعون هذه القضية وسيضعون النتائج في تصرف أسرتي الشابين والرأي العام الإيراني"، كلام قشقاوي هذا جاء بعد أيام قليلة من وقوع حادثة مطار جدة، ولم تقم السعودية بتنفيذ وعودها التي كانت قطعتها، ولم تقم حتى بتقديم اعتذار لائق للحكومة والشعب الإيرانيين.
لماذا تعمد السعودية إلي انتهاج هذه السياسة في حق إيران الإسلامية؟ وما هي خلفية الاعتداء المذكور؟ وهل كانت الحادثة وليدة أهواء وشذوذ فردي أم هي وليدة سياسة حاقدة طالما عرفت ببغضها لإيران وللشعب الإيراني؟
المراقبون للشؤون السعودية يجمعون على خشية الشعب السعودي من التفكير في ارتكاب أمر ما قد يزعج السلطات الحاكمة في البلاد، فالشعب السعودي يعيش في ظل دكتاتورية قل نظيرها في زماننا الراهن، دكتاتورية سياسية ودينية مقيتة أضحت حقوق الإنسان في ظلها رهينة أهواء الحكام وشهواتهم، ولا أحد في السعودية يتجرأ على إبداء رأيه أو على توجيه نقد ما لمسؤول ما مهما قل شأنه، ولا عهد للشعب السعودي بانتخابات يوصلون من خلالها أصواتهم إلى آذان الحكام، وكل ما يعرفونه هو الإسراع لمبايعة الحكام الجدد وإظهار الولاء والطاعة، فكل شيء عند آل سعود هو بدعة محرمة ودينهم الوحيد الذي يعترفون به هو إطاعة الحاكم وعدم الخروج على ولي الأمر، سواء كان ظالماً فاجراً قاتلاً للنفس المحترمة أم كان عادلاً عارفاً للحق وأهله.
في ظل هذا الجو السوداوي الحاكم في السعودية، هل لعاقل أن يُصدق إقدام شرطيين سعوديين ممن يعرفون سطوة الحكومة السعودية وغضبها على التفكير بمخالفة أوامر السلطات وأين؟ في وضح النهار وفي مطار دولي ومع زوار بيت الله الحرام؟!
جرائم سعودية قديمة:
الإعتداء على الشابين الإيرانيين في مطار جدة لم يكن الاعتداء الأول الذي تمارسه السلطة في حق زوار المشاعر المقدسة، فالعالم الإسلامي عموماً وإيران خصوصاً لم تنس بعد دماء الحجاج الإيرانيين التي سالت عام 1988م، وبين الفينة والأخرى نسمع بأنباء تتحدث عن اعتداء السلطات السعودية على زوار بيت الله الحرام بحجج واهية، معظمها تكون وليدة الحقد الوهابي المقيت الذي يكفر كل ما سواه.
ألم يكن الأجدر بالحكومة السعودية التي تدعي ليلاً ونهاراً حمايتها للحرمين الشريفين أن تسارع إلى تقديم الاعتذار لإيران إثباتاً منها حرصها على أمن الحرمين الشريفين وأمن زوار بيت الله وحفظاً لماء وجهها ؟
مجريات الأحداث تشي بنية حكومية سعودية لتوتير العلاقات مع إيران وزيادة القطيعة والبعد بين البلدين، ولربما يكون الاختلاف الجذري بين البلدين الجارين حول معظم ملفات المنطقة هو الذي دفع بالسعودية وشرطتها إلى ارتكاب هذه الجريمة بحق المواطنين الإيرانيين، قطعاً للطريق أمام إيران للتدخل دبلوماسياً والتأثير على الموقف السعودي في شتى مشكلات المنطقة.