الوقت- سبق أن عرضنا لكم في الجزء الأول من تقريرنا دراسات علمية مهمة أجريت لمعرفة سر الشعور بسرعة مرور الوقت عند الإنسان خصوصاً مع تقدمه في العمر، وفيما يلي سنكمل لكم بقية هذه الأبحاث والنظريات والنتائج المهمة والنهائية التي تم التوصل لها.
في عام 2010 قام العالمان وليام فريدمان من كلية أوبرلين وستيف يانسن من جامعة ديوك، بتوسعة النتائج التي سبق أن ذكرت في الجزء الأول. حيث قدّم إلى 49 طالب جامعي و50 شخصاً من كبار السن تتراوح أعمارهم بين الـ60 سنة و الـ 80 سنة، قائمة تحتوي على 12 حدثًا مهمًا حدثت قبل 10 سنين، وطلب منهم الإجابة على سؤالين حدث، السؤال الأول هو "متى وقع الحدث؟"، أما السؤال الثاني فهو "مدى تذكرهم لكل حدث؟". فقام المشتركون بملء الاستمارة، باستخدام "مقياس ليكرت" كما هو الحال في الدراسة السابقة للعالمان ويتمان ولينهوف عن سرعة مرور الزمن.
وتبين أن الطلاب الجامعيين لديهم تذكر جيد لجميع الأحداث، فاستطاعوا تحديد وقت وقوع الحدث بدقة أكثر من كبار السن. بالإضافة إلى ذلك، كررت لهذه المجموعتين النتائج التي تم التوصل إليها ويتمان ولينهوف، تلك المتعلقة بالنظر إلى الفترات الزمنية القصيرة (ساعة أو أسبوع أو شهر) على نحو مماثل، حيث أجاب كبار السن بأن السنوات العشرة الماضية مرت بسرعة أكبر مما أفاده به الشباب...
وفي دراسة أخرى نشرت في عام 2013، وجد فريدمان ويانسن وماكيكو ناكا من جامعة هوكايدو في اليابان، أن الأشخاص الذين يشعرون بأنهم يعانون حاليًا من ضغوط كبيرة تتعلق بالوقت، الزمن بنظرهم مر بسرعة في الفترات الزمنية القصيرة (أي أسابيع أو شهور)، أما الأشخاص الذين شعروا بضغط الوقت على مدى العقد الماضي، رأوا أن السنوات العشر السابقة قد مرت كالومضة.
وهنا نتوصل إلى نتيجتين، النتيجة الأولى هي "على الرغم من أن العمر عامل مهم بالتأكيد إلا أن مفهوم ضغط الوقت يساهم بشكل كبير في إدراكنا للزمن في جميع الفئات العمرية". أما النتيجة الثانية "ضغط الوقت هو أمر عائد للثقافة وإدراك الفرد للأمر حسب المحيط والمجتمع الذي يعيش فيه".
في بحث مرتبط توصل علماء النفس إلى خمس نظريات مهمة يمكنها أن تفهمنا الأمر بشكل أوسع، ومن هذه النظريات:
قياس الزمن من خلال الأحداث التي لا تنسى
أكد العالم "وليام جيمس"، بأنه يمكننا قياس الفترات الزمنية الماضية من خلال عدد من الأحداث التي يمكن تذكرها في تلك الفترة الزمنية، كمثال على ذلك: يوجد ربة منزل في الأربعين من عمرها تواجه الأعمال الروتينية والمتكررة في المنزل، الذكريات القديمة من سنواتها الماضية والتي قضتها في المدرسة الثانوية كـ "الرياضة والتخرج وحفلة التخرج وخروجها مع أصدقائها في المدرسة وغيرها.."، مقارنة بالوضع الحالي الذي تعيشه، تجل الأمر يبدو وكأن السنوات التي قضتها في تلك المرحلة أطول بكثير من مجرد 3 سنوات.
اختلاف مقدار الزمن الذي يمر نسبة إلى عمر الشخص
في عام 1877 اقترحت عالمة نفسية معروفة باسم جانيت نظرية جديدة تدعى "النسبة" تشير إلى أننا نقوم بمقايسة فترات زمنية مع الفترة الكلية من عمرنا الذي عشناه بالفعل باستمرار، فمثلاً: إن طفل في الخامسة من عمره، سنة واحدة من حياته تساوي 20% من حياته كلها أما بالنسبة لشخص عمره خمسون عاماً فإن سنة واحدة تساوي 2% فقط من حياته كلها وعلى هذا الاساس نقيس مرور الوقت بالنسبة لنا اعتماداً على هذه النسبة.
الساعة البيولوجية للإنسان تتباطىء مع تقدمه في العمر
مع مرور الزمن وخاصة عند الشيخوخة قد يحدث تباطؤ نوعًا ما في الجهاز المسؤول عن تنظيم ضربات القلب، وبالتالي تتباطىء دقاته، وبمقارنة الأمر بالنسبة إلى الساعات التي لا يمكن إيقافها وتواريخ الأيام الثابتة التي لا يمكن تغييرها، يبيّن لنا أن الوقت الخارجي يمر بسرعة كبيرة.
الإهتمام بالوقت يقل مع التقدم في العمر
عندما تكون صغيراً لا تصدق متى سيقترب موعد بداية فصل الصيف لتأخذ إجازتك الصيفية، أما عندما تكون راشداً فستركز أكثرعلى العمل والفواتير والحياة الأسرية والمواعيد والسفر وجميع تلك الأشياء التي يتحمل مسؤوليتها الكبار، ومع التركيز على هذه المهامات الصعبة، فأنت ستتفاجىء بأن موعد فصل الصيف قد حان، في حين أن الطفل يشعر بأنه قد انتظر كثيراً.
الإجهاد والتوتر بسبب سرعة مرور الوقت
استنتج العالمان ويتمان ولينهوف، أن الإحساس بعدم وجود الوقت الكافي للحصول على الأشياء أو لإتمام الأعمال في الوقت المحدد، يفسر بأن الزمن يمر بسرعة كبيرة، حتى كبار السن قد يشعروا بهذا الإحساس بسبب ضعف القدرات المعرفية التي يعانوا منها.
وفي الختام نؤكد أن هذا الشعور لا مفر منه، ولكن تهدئة النفس من خلال معرفة أن الزمن لن يتسارع كلما تقدمنا في السن، بل الأمر مجرد إحساس داخلي نشعر به سيجعلنا نتأقلم مع هذه الحالة التي تصل في بعض الأوقات إلى نوبات هلع عند بعض الناس.
إعداد: محمد حسن قاسم