الوقت- في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وتوسع رقعة المواجهة، برزت حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية كفاعل إقليمي لا يمكن تجاهله، من دعم معنوي إلى دعم عسكري مباشر، تحولت صنعاء إلى جبهة مشتعلة تهدد العمق الإسرائيلي من أطراف الجزيرة العربية، فمع تواصل الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي تنفذها الحركة، لم يعد الصراع محصورًا في حدود فلسطين المحتلة، بل امتد ليشمل السماء والمياه التي كانت تل أبيب تعتبرها مناطق آمنة.
تصريحات قيادات أنصار الله الأخيرة، وعلى رأسهم السيد عبد الملك الحوثي ومهدي المشاط، حملت نبرة تصعيدية واضحة، لتؤكد أن المعركة لن تتوقف عند حدود غزة، بل ستطال كل من يعتدي على الشعب الفلسطيني، فما الذي ينتظر الكيان الصهيوني في ظل هذه التهديدات المتسارعة؟ وكيف ستؤثر الهجمات اليمنية المتواصلة على أمنه القومي ومكانته الإقليمية؟.
حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية
لم تكتف حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية بتأييد المقاومة الفلسطينية من خلال الخطب والبيانات، بل نقلت دعمها إلى أرض الميدان بعمليات عسكرية مباشرة استهدفت عمق الكيان الصهيوني، فمنذ مايو الجاري، نفذت الحركة 22 عملية نوعية، توزعت بين صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة، أصابت أهدافًا في مطار بن غوريون ويافا وحيفا، هذا التطور النوعي يعكس تحولًا استراتيجيًا في سياسة أنصار الله، فالحركة تومن أن الدفاع عن فلسطين واجب عملي، وليس مجرد موقف أخلاقي أو ديني.
ولعل أبرز ما يميز هذا التصعيد هو جرأته، إذ لم تعد الحركة تخشى من الرد الإسرائيلي أو من التداعيات الإقليمية، بل باتت تعتبر أي هجوم على اليمن – مثل قصف مطار صنعاء – سببًا كافيًا لتوسيع رقعة النار. القيادة اليمنية أوضحت أن هذه العمليات لن تتوقف، بل ستزداد في الحجم والنوعية، وهو ما يؤكد دخول أنصار الله رسميًا إلى محور المواجهة الشاملة مع الاحتلال، بهذا التصعيد، تكون صنعاء قد كسرت الحصار الجغرافي المفروض على فلسطين، ووجهت رسالة واضحة بأن كل من يشارك في العدوان على غزة لن ينجو من تبعاته.
الدفاعات الجوية اليمنية.. كابوس جديد لطائرات الاحتلال
مع تصاعد التهديدات، كشفت حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية عن تطور قدراتها الدفاعية، وخصوصًا في مجال التصدي للطائرات الحربية، مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، أكد أن الدفاعات الجوية اليمنية ستتمكن من التعامل مع الطائرات الإسرائيلية دون أن تتسبب بأي ضرر على الملاحة الجوية أو البحرية، هذه التصريحات، التي رافقتها تحذيرات رسمية لشركات الطيران الدولية، تشير إلى أن أنصار الله باتوا يملكون قدرة تقنية وعسكرية متقدمة تخولهم إسقاط الطائرات المعادية بكفاءة.
ولعل أكثر ما يقلق الكيان الصهيوني هو أن هذه القدرات ليست محصورة في الأراضي اليمنية فقط، بل يمكن توسيع استخدامها في البحر الأحمر، حيث سبق للحركة أن نفذت هجمات أعاقت حركة الملاحة الإسرائيلية، ومع إعلان البحر الأحمر منطقة غير آمنة على السفن الإسرائيلية، يتضح أن القوات المسلحة اليمنية تسعى إلى تطويق الكيان من البر والبحر والجو، إسقاط طائرة إسرائيلية واحدة فقط سيشكل ضربة معنوية وعسكرية مدوية لتل أبيب، وسيعيد حسابات الردع في المنطقة، الاحتلال الذي طالما تفوق جوًا، يواجه اليوم تهديدًا جديًا من الجنوب العربي، حيث لا خطوط حمراء تمنع أنصار الله من المضي في معركتهم حتى النهاية.
الحصار البحري في البحر الأحمر.. شريان الاقتصاد الإسرائيلي في خطر
واحدة من أكثر النقاط الاستراتيجية حساسية التي استهدفتها حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية هي الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فحسب تصريحات السيد عبد الملك الحوثي، فإن البحر الأحمر مغلق أمام السفن الإسرائيلية، ولا تزال الملاحة الإسرائيلية فيه ممنوعة بشكل كامل، هذا الإجراء لا يُعد فقط خطوة عسكرية، بل هو ضربة اقتصادية موجعة، كون البحر الأحمر يشكل ممرًا حيويًا للتجارة الإسرائيلية، وخاصة عبر ميناء إيلات.
ما يجعل هذا الحصار أكثر خطورة هو استمراريته واتساع نطاقه. حركة أنصار الله لم تكتف بتهديد السفن الإسرائيلية فحسب، بل طالبت الشركات العالمية بتجنب مسارات الطيران والملاحة التي يستخدمها الكيان في اعتداءاته على اليمن، بهذا التهديد، وضعت الحركة المجتمع الدولي أمام خيارين: إما احترام السيادة اليمنية، أو مواجهة تبعات اقتصادية واسعة النطاق.
تداعيات الحصار لم تتوقف عند الخسائر الاقتصادية، بل امتدت لتشمل الأثر النفسي والمعنوي على الاحتلال، الذي اعتاد حرية الحركة في البحر دون مقاومة تُذكر، اليوم، ومع هذا الحصار المتواصل، يكتشف الكيان أن تفوقه البحري لم يعد مضمونًا.
الكيان الصهيوني أمام معادلة جديدة "النار"
في السابق، كان الاحتلال الإسرائيلي يخطط حروبه على افتراض أن أعداءه محصورون في الجبهة الشمالية مع لبنان أو داخل الأراضي المحتلة، أما اليوم، فقد تغيرت المعادلة بالكامل، حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية، وعلى بعد آلاف الكيلومترات من فلسطين، يشنون هجمات مباشرة على عمق الأراضي المحتلة، ويعطلون موانئها، ويهددون طائراتها، هذه الجبهة الجديدة أربكت حسابات تل أبيب، ودفعتها إلى التعامل مع خطر لم يكن يومًا جزءًا من توقعاتها الاستراتيجية.
الهجمات اليمنية كشفت عن هشاشة منظومة الدفاع الإسرائيلية، وعن محدودية قدرة الاحتلال على احتواء عدة جبهات في آنٍ واحد، ومع احتدام الحرب في غزة، وتزايد التوتر على حدود لبنان، ودخول اليمن على خط التصعيد الرمزي، أصبحت "إسرائيل" محاصرة بنار المقاومة من كل الجهات، في ظل هذه المعادلة الجديدة، فإن أي عدوان جديد سيقابل بهجوم مضاد من جهة غير متوقعة، والكيان الصهيوني، الذي طالما اعتمد على عنصر المفاجأة، بات اليوم في موقع المُستَهدَف لا المُبادر، والمستقبل يحمل له مزيدًا من الخسائر والانكشاف أمام ضربات لن يستطيع منعها أو التنبؤ بها.
اليمن.. الجبهة التي أصابت أمن الكيان في مقتل
لم يعد الكيان الصهيوني يتعامل مع التهديدات اليمنية على أنها استعراض إعلامي أو مزايدة سياسية، الواقع الجديد فرض نفسه بقوة، بعد أن تحولت اليمن، ممثلة بحركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية، إلى جبهة فعالة تصيب ما يُسمى "الأمن القومي الإسرائيلي" في مقتل، فمنذ أن بدأت الصواريخ والمُسيّرات اليمنية تتساقط باتجاه العمق الفلسطيني المحتل، باتت صافرات الإنذار تُدوّي في المدن الصهيونية مع كل عملية، لتخلخل الإحساس بالأمان لدى المستوطنين، وتُربك منظومة القرار العسكري والسياسي في تل أبيب.
أكثر ما يُقلق الاحتلال أن هذه التهديدات تأتي من بعد جغرافي كان يُعتبر آمنًا، ما أحدث خللًا كبيرًا في عقيدة الردع الصهيونية، كل صاروخ يُطلق من اليمن لا يربك فقط الجبهة الداخلية، بل يفرض على جيش الاحتلال تحريك بطاريات دفاعية مكلفة، تنجح أحيانًا وتفشل غالبًا، أمام تقنيات يمنية تزداد تطورًا وجرأة، هذا الضغط المتواصل يفرض استنزافًا ماليًا هائلًا على المنظومة العسكرية الصهيونية، ويزيد من حجم الفجوة بين القوة النظرية التي تتغنى بها تل أبيب، والواقع الميداني الذي يكشف ضعفها، اليمن اليوم ليس مجرد متضامن، بل لاعب ميداني فعّال أفسد حسابات الاحتلال، وفرض عليه معادلة جديدة عنوانها: “كل جبهة مشتعلة.. وكل صاروخ مدفوع الثمن.
ختاماً الكيان الصهيوني، الذي طالما تغنى بتفوقه الأمني والعسكري، يواجه اليوم واقعًا مغايرًا، تتكسر فيه أوهام السيطرة أمام ضربات المقاومة الممتدة من غزة إلى صنعاء، لم يعد الاحتلال يعيش في مأمن حتى في عمق مناطقه التي اعتاد وصفها بـ"الحصينة"، فكلما تمادى في عدوانه على الشعب الفلسطيني، اشتعلت جبهات جديدة، ومعها تتساقط أسطورته الأمنية الواهية، إن استمرار العدوان على غزة لن يمر دون ثمن، واليمن، بما تملكه من إرادة وقوة نيران متطورة، دخلت معادلة الردع بقوة، وأثبتت أن دعمها ليس شعارات، بل أفعالاً تهز كيان العدو.
والرسالة أوضح من أن تُخفى، لا أمان للكيان الصهيوني، لا في بره ولا بحره ولا في أجوائه، طالما استمر في سفك دماء الأبرياء في غزة.
الضربات القادمة، كما وعدت حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية، ستكون أكثر قسوة وإيلامًا، وأكثر دقة واستنزافًا، الاحتلال يعيش أيامًا سوداء تتسع رقعتها، ومع كل جبهة تُفتح، يتهاوى جزء من وهم "إسرائيل الآمنة"، لقد ولّى زمن الاستفراد بفلسطين، وجاء زمن المقاومة الممتدة التي لا تعرف الحدود ولا تنتظر الإذن، ومن اليمن، كما من غزة ولبنان، تُكتب اليوم معادلة الردع الجديدة: العدوان ثمنه النار.. ولن تنعموا بالهدوء ما لم يتوقف نزيف غزة.