الوقت- بعدما كان الخطاب العدائي ضد الإسلام والمسلمين، أحد ركائز حملته الانتخابيّة، توجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعوديّة في زيارته الخارجيّة الأولى للمشاركة في القمّة الأمريكية- الإسلاميّة وسيحاضر هناك بالعديد من الزعماء العرب والمسلمين حول "الإسلام".
ترامب نفسه الذي حظر دولاً إسلاميّة عدّة، وقال في مناظرة جمعت المرشحين الجمهوريين بأن "الإسلام يكرهنا"، سيلقي خطاب في السعوديّة غد الأحد متحدّثاً عن الوحدة في مكافحة التطرف، متجنّباً اللغة الشديدة المناهضة للإسلام التي استخدمها خلال حملته الانتخابية، وفق وكالة أسوشيتد برس للأنباء التي حصلت على مسودّة الخطاب التي لا تزال تخضع للمراجعة.
ترامب ومهاجمة الإسلام
اللافت أن هذه التساؤلات قد طُرحت على بساط البحث في واشنطن، فقد تساءل عدد من المحللين الأمريكيين المشاركين في برنامج تلفزيوني على قناة "سي أن أن" عن سر الحفاوة الكبيرة والاهتمام البالغ من قبل السعودية بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الرغم من مهاجمته للإسلام.
فالرئيس الأمريكي الذي هاجم احد مستشاريه (مستشار الأمن القومي مايكل فلين) في وقت سابق بشكل عنيف النبي "محمد"(ص) والقرآن ودين الإسلام، سينادي على الجهاد من السعوديّة، وللمفارقة من المنطقة ذاتها التي يتخذها التكفيريون مرجعاً ومنهاجاً للتكفير وتشريع فتاوى القتل والذبح. أي أن ترامب الذي وصف الإسلام بالإرهابي، يعمل اليوم على تعديل مواقفه الإعلاميّة، ویفصل بين الإسلام وداعش، وهذا هو الواقع دون أن يهاجم السعودية صانعة الفكر التكفيري والمتّهمة بتفجيرات سبتمبر في نيويورك.
فيلن الذي قال إن الخوف من الإسلام أمر عقلاني، واصفا الإسلام بالسرطان، سار على خُطا رئيسه الذي زعم أنّه محقّ في موقفه من "الإرهاب الأصولي الإسلامي"، وذلك تعقيبا على هجوم أورلاندو بولاية فلوريداً.
صحيفة الغارديان التي اعتبرت الانتخابات الأمريكية وأنها تمكنت من حشد كل المشاعر المعادية للمسلمين (إسلاموفوبيا)، قالت إنّ "أميركا ترامب" لا وجود للمسلمين فيها، وذلك بعدما طالب ترامب بمنع المسلمين من دخول أمريكا، وما أثار ردود أفعال واسعة في مختلف أنحاء العالم، فهل تناسى الزعماء المسلمون دعوات ترامب هذه؟ أم أن الأخير قد تراجع عنها؟
والأنكى من ذلك كلّه، تسعى السعوديّة التي تدّعي زعامة العالم الإسلامي السني، متناسية دور مصر وتركيا في ذلك، تسعى لإظهار ترامب على أنّه حليف للمسلمين، فيما يلي بعض تصريحاته:
- فلنخرج جميع المسلمين من البلاد ولنبني حاجزاً بيننا وبينهم.
- دعا ترامب إلى وقف "كامل وكلي" لدخول المسلمين الولايات المتحدة، قائلا "ليس لدينا أي خيار آخر."
- قال ترامب إن استطلاع رأي أظهر أن المسلمين يكرهون الأمريكيين، وهو ما يشكل خطرا على البلاد.
- في تقرير نشرته شبكة "سي أن أن"، كرر ترامب دعوته لمواجهة تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة وذكر هذه المرة بسور الصين العظيم قائلاً: "عندما أقول إننا سنقوم ببناء جدار هنا فالناس تسألني عن سبب ذلك، وأنا أذكرهم بمثال الصين التي قامت ببناء جدار قبل ألفي عام".
- قال ترامب: "الحدود ينبغي أن تظل مغلقة أمام المسلمين حتى يتوصل نواب الشعب إلى فهم واضح لأسباب تلك الكراهية."
اليوم، ورغم كل هذه التصريحات سيسعى ترامب للنأي بالنفس عن مهاجمة الإسلام، إلا أن موقفه الحقيقي هو العكس تماماً، وتآمراً على الإسلام والمسلمين، ولكن هذه المرّة عبر منصّة إسلاميّة، بخلاق منصّته السابقة.
ترامب ومهاجمة السعودية
لا تقتصر خطوط ترامب الحمراء في الخطاب أمام زعماء دول عربية وإسلاميّة على النأي بالنفس عن مهاجمة الإسلام، بل سيحاول عدم الوقع في أي زلّة لسان تجاه السعودية التي وصفها البقرة بالحلوب التي يجب ذبحها عندما يجف حليبها، بل على العكس تمام سيعمد بعد صفقة المئة مليار دولار العسكرية، وصفقات مماثلة اقتصاديّاً إلى الحديث عن شراكة اقتصاديّة لن تدوم طويلاً في نظر الكثير من المحللين.
من الأمور التي سيتجنّبها ترامب أيضاً هي الأحاديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفق أسوشيتد برس، باعتبار أن المنصّة التي يتحدّث منها لا تخوله طرح هذه المسألة لما ستتسبب به من إحراج للدولة المستضيفة التي تتربّع على رأس الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، إضافةً إلى ارتكابها أبشع المجازر بحقّ الشعب اليمني بأسلحة أمريكية.
عدد من المحللين الأمريكيين الذين ناقشوا زيارة ترامب إلى السعودية، وجدوا في الزيارة والصفقات التي سينجزها في الرياض رغبةً منه في التغطية على فضائحه الداخلية وأزمته المتعلقة بتسريب معلومات لروسيا، وتداعيات أزمة إقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالية .
هناك تعويل سعودي واضح على نتائج الزيارة، وهذا مابدا واضحاً من التغطيّة الإعلاميّة لها، وما رافقها من تطبيل وتزمير غير مسبوقين، إلا أن هذا الأمر يرتبط بشكل أو بآخر بأسباب داخليّة تتعلّق بهيكلية الحكم كون الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد الراعي الرسمي لهذه الزيارة.
إلاّ أن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه: هل من يصف الإسلام "بالسرطان"، يحقّ له أن يحاضر بزعماء الدول الإسلاميّة؟ وهل سيقع الزعماء في فخّ هذه الشراكة المزعومة؟