الوقت - عادت الاعتراضات الأمريكية- التركيّة على مشاركة الحشد الشعبي إلى الواجهة من جديد. إلا أن رئيس الوزراء العراقي بدا أكثر حزماً هذه المرّة عندما نفى أن يكون قرار انطلاق عمليات قضاء تلعفر بمحافظة نينوى والحويجة بمحافظة كركوك خاضعاً لحسابات سياسية، مؤكداً أنه قرار عسكري وخاضع لحسابات عسكرية.
وكما يحصل في كلّ معركة، تسعى أطراف خارجيّة، أمريكية-تركيّة، إلى عرقلة المعارك ضدّ داعش، كما حصل سابقاً في الموصل، الأمر الذي شكّل فرصة مناسبة لأرتال كبيرة من داعش للتوجّه نحو سوريا حينها.
ويأتي التلكؤ الحاصل اليوم في ملف استعادة قضاء تلعفر غربي الموصل رغم أن الحشد الشعبي أحد القوّات الرسميّة العراقيّة، بموافقة البرلمان، وقد أثبتت تجربة معركته في الموصل وساحلها الأيمن أنّه يعمل تحت إمرة الدولة، بخلاف ما أراد الكثيرون إظهاره.
لا شكّ أن قوّات الحشد الشعبي لن تعير أي اهتمام يذكر للاعتراضات الأمريكية والتركيّة، كما أنّها حذّرت من ردّ قوي ومزلزل على أيّ تطاول سافر يطال قطعاتها العسكرية المتجهة لتحرير تلعفر من الطائرات التركيّة، وذلك بعد الحديث عن تحذير صدر عن السفارة الأمريكية في بغداد تضمّن معلومات حول قصف تركي للقوّات العراقيّة التي دخلت القضاء.
وبالفعل، لم يعر الحشد ميدانيّاً أيّ اهتمام بهذه التحذيرات حيث بدأت قوّاته بتأمين خروج عشرات الأسر من القرى المجاورة لتلعفر، إضافةً إلى إحباط هذه القوّات محاولات لتنظيم داعش الإرهابي في اختراق القوّات باتجاه غرب القضاء، وذلك بعد محاصرتها تلعفر وإحكام سيطرتها على إمداد داعش، وفق القيادي في الحشد الشعبي عبد الكريم النوري.
ضغوطات كبيرة
لم تتوقّف الضغوطات على الجهات الخارجية نفسها، بل أوعزت هذه الجهات وتحت ذرائع عدّة كالتركيبة السكّانية الدينية والعرقية لأطراف داخلية بالضغط أكثر نحو منع الحشد من المشاركة في المعركة، ولرسم صورة واضحة عن تلعفر، تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط، نذكر منها:
أوّلاً: تحظى منطقة تلعفر بأهميّة استراتيجية في الخريطة العسكرية العراقيّة بعد سيناريو الموصل، فبعد أيّام على إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الـ 17 من أكتوبر/تشرين الأول ا2016 عن انطلاق عملية عسكرية واسعة لاستعادة مدينة الموصل، سارع الحشد الشعبي لإطلاق عملية عسكرية يوم الـ 24 من الشهر ذاته لاستعادتها نظراً لأهميتها في رفد جبهات داعش نظراً لوقوعها على الحدود.
ثانياً: وبالتالي، سارع الحشد لمحاصرة تلعفر التي تعدّ أحد أبرز معاقل داعش، إلا أن هذه القوّات انتظرت أوامر القائد العام للقوات المسلّحة. حالياً تجري استعدادات واسعة لاستعادة المدينة رغم محاولة عدّة دول وأطراف تهويل ذلك عبر الحديث عن معركة طائفيّة، إلا أن الحشد الشعبي قد أوضح أن هناك نحو 11 ألف مسلح من أبناء تلعفر يمثلون كافة الطوائف والقوميات ينتمون للحشد وهم جزء أساسي منه، وستكون مشاركتهم باستعادة مناطقهم من قبضة التنظيم أمرا طبيعيا.
أسباب العرقلة
لا تنطلي الذرائع الأمريكية والتركيّة على أحد، لأن المعركة اليوم هي معركة العراق بكافة أطيافه ضدّ الإرهاب الداعشي الذي لا دين له، وحكومة العراق أحرص من غيرها على تلعفر، كما أكّد العبادي، إلا أن السبب الحقيقي في العرقلة يتعلّق بالإمكانية الجيوعسكرية لهذه المدينة الواقعة على الطريق المؤدي إلى سوريا غربي العراق.
التركي، سارع لرفع السقف حيث اعتبر أردوغان أن كل ما يحدث في سوريا والعراق يتعلّق بالأمن القومي التركي. أردوغان يرى نفسه الراعي الرسمي للتركمان في تلعفر، وقد قال بوضوح "تلعفر التركمانية قضية حساسة بالنسبة لنا.. سيكون ردّنا مختلفاً"، ليردّ عليه قائد قوات الحشد الشعبي هادي العامري بالقول "ستكون تلعفر مقبرة للجنود الأتراك إذا حاولت تركيا الدخول في معركتها" عبر القوات المتواجدة في معسكر بعشيقة، الأمر الذي يُعطي لتلعفر خصوصية تختلف عن بقية المعارك السابقة.
أمريكياً، يتعلّق الفيتو الجديد بالأهمية الديموغرافية والاستراتيجية لتلعفر. بعبارة أخرى يخشى الأمريكي من استقرار القوات العراقيّة، وتحديداً فصائل الحشد الشعبي، على الحدود، لأنّه سيكون استقراراً طويل الأمد خشية تكرار سيناريو الموصل من جديد. إلا أن واشنطن عاجزة عن إظهار أي تهديد للحشد لأسباب تتعلّق بالمشروع الأمريكي في العراق في مرحلة ما بعد داعش. واشنطن تخشى تأزيم الأوضاع مع الحشد عسكريا، لأن ذلك سيعزّز أوراق الرفض العراقي لأي طلب أمريكي بالبقاء في البلاد داخل قواعد عسكرية في مرحلة ما بعد داعش، وهذا ما يفسر رمي السفارة الأمريكية لتهمة ضرب الحشد على الأتراك، وليس التحالف الدولي.
في الخلاصة، يبقى القرار بيد القوّات المسلّحة العراقية التي لمست الدور الأساسي لقوّات الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل، وما الضغوطات الخارجية على العراق، إلا لرفع تكلفة حربه مع تنظيم داعش الإرهابي.