الوقت- تعدّ الجبهة الجنوبيّة على الحدود الأردنيّة السوريّة من أعقد الجبهات. لا لناحية وتيرتها النارية، بل بسبب وجود أطراف داخليّة وإقليميّة.
إلا أن هذه المنطقة قد شملها اتفاق آستانة بشأن مناطق وقف التصعيد في سوريا، موسومةً بالمنطقة الرابعة التي تمتدّ في المناطق المحاذية للحدود الأردنية في ريفي درعا والقنيطرة.
المستجدّات الجديدة على الملف الأردني السوري تمثّل في إعلان المتحدّث باسم الحكومة الدكتور محمد مومني أن سياسة بلاده لا زالت بقاء الأزمة السورية داخل حدود البلد الجار مشيرا إلى "أن الحاجة عندما تضطر سيدافع الأردن عن حدوده في العمق السوري".
ويأتي الكلام الأردني بعد حديث سابق للملك عبد الله الثاني تضمّن عبارة "سياسة الدفاع بالعمق السوري عن الأمن الحدودي الأردني"، وذلك في معرض ردّه على تصريح الرئيس الأسد بتخطيط الأردن لعملية اقتحام عسكري.
ورغم أنّ كلام "العمق السوري" من الناطق باسم الحكومة يأتي توضيحاً لعبارة الملك السابقة فيما يخصّ "العمق السوري"، إلا أنّ الموقف الجديد يرتبط بشكل أو بآخر بالتطورات السياسيّة والعسكريّة الأخيرة فيما يتعلّق بوثيقة وقف التصعيد، لاسيّما أن مومني نفسه قد أوضح أنّ بلاده لم توقّع على الاتفاق الذي يقضي بإقامة مناطق آمنة في سوريا قرب الحدود الأردنية والذي تم خلال الاجتماع الأخير في أستانة برعاية روسيّة إيرانيّة تركيّة.
لا يختلف أحد في حقّ الأردن بالدفاع عن أراضيها إزاء أي اعتداء تكفيري، أو عن أي جهة صدرت، خاصّة بعد مقتل وإصابة عدد من الجنود الأردنيين نتيجة التفجير الإرهابي في منطقة الركبان الحدودية، إلا أنّ هذا الأمر يستوجب من الأردن التعاون مع سوريا ضدّ هذه الجماعات، لا استخدامها في سياق الحسابات السياسيّة الإقليمية ضدّ بلد جار تربطه علاقات تاريخية مع الأردن.
بيد أن الأردن نفسه لم يقف مكتوف الأيدي إزاء التطوّرات على الجبهة الجنوبيّة منذ العام 2011، بل عمد إلى دعم بعض الجماعات المسلّحة وتشكیل غرفة عمليات "الموك" لإدارة الجبهة الجنوبية في سوريا، رغم أن الموقف الرسمي اظهر نوعاً من الحياديّة.
لا شكّ أن الدولة السوريّة تدعم الأردن في التصدّي لأي مجموعة تحاول استهداف أمن البلاد، إلا أن الخشية من التدخّل العسكري الأردني بدعم خليجي من ناحية وأمريكي من ناحية أخرى يعود لأسباب تتعلّق بأمن الأردن أكثر من أمن سوريا حتّى. ولعل التجربة التركيّة في التداخل العسكري داخل الأراضي السوریة وانعكاسها بشكل كبير على الاستقرار الأمني والاقتصادي في مختلف المدن التركيّة، خير دليل على التكلفة الباهظة لأي دولة تسعى للعب بالنيران السوريّة، فهل الأردن قادر أمنيّاً على تحمّل تبعات التدخّل العسكري؟ ماذا عن التبعات الاقتصاديّة؟
قد يقول قائل أن الدول الخليجية ستموّل هذه العملية، كما موّلت هذه الدول نفسها تركيا سابقاً، ولكن ما الذي حصل لاحقاً، ألم تدفع أنقرة تكلفة بشرية واقتصاديّة باهظة دون أن تنجح في تحقيق أهدافها، عدا ما يتعلّق بالشقّ الكردي، وبشكل جزئي؟
قد حاول البعض، ولأسباب سياسيّة تامّة، ربط المناورات الأخيرة التي انطلقت في الأردن "الأسد المتأهب" بالتطورات على الجبهة الجنوبيّة، رغم أنّها مناورات اعتياديّة تجري للمرّة السابعة، وبمشاركة عدّة دول تربطها علاقات جيّدة مع سوريا كلبنان والعراق ومصر، وأخرى لا ناقة لها ولا جمل كالكويت وكينيا وبلجيكا وهولندا واليونان وبولندا واستراليا واليابان.
اليوم، ورغم الحديث القائم عن إجراءات أمنية غير معتادة للجيش الأردني على طول الحدود، إلا أن وثيقة مناطق تخفيف التصعيد من ناحية، وكلام المومني بأن الأردن سيحتفظ بموقفه المتزن والحكيم في المسألة السورية من ناحية أخرى، يعزّز فرضية الابتعاد الأردني عن الدخول بمغامرة غير معروفة النتائج.
لا تقتصر العقبات والتبعات على المسألة العسكريّة، بل هناك أسباب تقنيّة كموافقة مجلس الأمن التي لن تحصل بسبب الفيتو الروسي، فضلاً عن كون واشنطن غير مستعدّة للتدخّل بريّاً، إلا أذا قرّر الجيش الأردني لعب دور "حصان طروادة"، أي دور مماثل للأكراد في شمال سوريا.
تعي الأردن جيّداً أن إعلان التدخّل سيفتح باب المواجهة الواسعة على الحدود، مستجلبة لنفسها مخاطر مرتقبة حذّر منها رئيس مجلس النواب الأسبق عبدالكريم الدغمي الذي دعا إلى أن "لا يقدم الأردن على مثل تلك الخطوة" التي وصفها بالخطوة الحمقاء، خاصة "وأن المملكة غير معتادة على أن تشنّ حربا على دولة شقيقة مثل سوريا"، وفق الدغمي.
ندعو مجدّداً الأردن لدراسة التجربة التركيّة، خاصّة أن الداخل الأردني لا يلائم واقع التدخّل، وبالتالي فإن توريط الأردن قد يكون مقدّمة لتفتيت هذا البلد، واتخاذه لاحقاً مكاناً لتوطين الفلسطينيين، وبالتالي يمكن من خلال هذه الخطوة ضرب عصافير عدّة بحجر واحد.