الوقت- لا يمكن الفصل بين الرمزية التي أورثنا إياها شابلن بما تضمنته من أعمال فنية وليس سينمائية فقط، وسيرة حياة الرجل وخبرته الشخصية التي اكتسبها عبر سنوات حياته الطويلة نسبيا، فشابلن الفنان ينتمي إلى حقبة زمنية كانت فيها السينما اختراع حديث العهد نسبيا ورغم أن شابلن قدم سينما بسيطة من ناحية أسلوبية الطرح الفني، إلا أنه كان ثوريا في الأفكار التي طرحها في ذلك الوقت.
ولا نبالغ إذا قلنا أن بداياته قبل حقبة عشرينيات القرن الماضي لا تختلف في محتواها ومضمونها عن كثير من السينمائيين الذين عاصروه وطرح أنفسهم باسلوب قريب من اسلوبه كالثنائي "أوليفر هاردي وستان لوريل" وحتى الأخوة ماركس، غير أن شابلن كان له أثر كبير وبالغ في نقل السينما من حالة كوميدية صرفة إلى حالة فلسفية أكثر تعقيدا متبعا مبدأ صراع الأضداد في الكوميديا ليخلق لنا سينما مشبعة بكل المشاعر الإنسانية حملت في طياتها الكثير من الرسائل الضمنية الموجهة والمباشرة للجميع.
جوع وفقر
كان مولد شابلن في ضاحية والوورث جنوب لندن، أكثر الأحياء فقرا وبؤسا في العاصمة البريطانية، وكثيرا ما كان شابلن يشبه طفولته بشخصيات رواية اوليفر تويست المعدمة والفقيرة للكاتب تشارلز ديكنز، حيث عاش الطفل شابلن حياة فقيرة لأبوين عملا في الفن فالأب كان موسيقا في فرقة "الميوزك هوول" ووالدته كانت ممثلة ومغنية، لكن انفصال والديه عن بعضيهما وهو لم يتجاوز بعد الثلاث سنوات من عمره ترك أثر بالغ عليه، ما اضطره هو وأخوه غير الشقيق للعمل كماسحي أحذية ومع استمرار تأزم ظروف العائلة وتحديدا مرض والدته ومن ثم وضعها في مصح للأمراض العقلية، تم وضع شابلن وشقيقه في ملجأ للفقراء، وفي سن الثالثة عشر توفي والده الذي كان مدمنا على الكحول.
كتب شابلن في مذكراته فيما بعد " تلك طفولة الوقوف امام مصيرك المحتوم وأنت تعلم انك غير قادر على فعل أي شيء فقد كان علي أن أكبر وأتحمل المسؤولية وأن أفرغ الى لقب يتيم قبل الأوان ".
شخصية الصعلوك
كتب شارلي عن تفاصيل هذه الشخصية التي أخذت شهرة عالمية كبيرة وأصبحت رمزا أسطوريا في هوليود ومختلف أنحاء العالم في مذكراته حيث قال" لم أكن أملك أي فكرة في خصوص أي مكياج أضع. لم أرد أن أظهر كصحفي في نشرة إخبارية. لكن في طريقي لخزانة الملابس فكرت أن أرتدي سروال فضفاض، حذاء كبير، عكاز وقبعة. أردت أن يكون كل شيء متناقضا: السروال الفضفاض، المعطف الضيق، القبعة الصغيرة والحذاء الكبير. كنت مترددا أأكون بمظهر شخص كبير أو شاب، لكن تذكرت أن "سينيت" (رئيس استديو كيستون) كان ينتظر مني أن أكون بمظهر شخص أكبر عمرا، لذلك أضفت شنب صغيرا وذلك ليضفي على الشخصية الكبر في العمر دون إخفاء تعابيري. لم تكن لي أي فكرة حول الشخصية، لكن في اللحظة التي ارتديت فيها الملابس وقمت بالماكياج أحسست بالشخصية. بدأت أتعرف عليها، وعندما دخلت ساحة التمثيل ولد الصعلوك".
النجومية
بدأت نجومية شابلن ترى النور منذ مطلع العام 1914، وفي هذا العام بالتحديد صنع مجموعة أفلام أوصلته إلى الشهرة والنجومية نذكر منها "أطفال يتسابقون في فينيس"، "الملاكمة"، "المتشرد"،"حياة كلب" و"امرأة باريس".
ومع بداية العشرينيات تعمقت تجربة شابلن أكثر وأكثر وبدأ بصناعة أفلام زادت من شهرته وبقيت محفورة في أذهان الناس حتى يومنا هذا، حيث حقق فيلم "الصبي عام 1921" نجاحا باهرا بالإضافة إلى فيلم "حمى الذهب" الذي عرف بعمق الصورة مبتكرا فيه أساليب كوميدية جديدة.
لتأتي فترة إدخال الصوت إلى السينما في أواخر العشرينيات ورغم ان شابلن في ذلك الوقت لم يدخل الصوت إلى أفلامه إلا أنه استطاع أن يبدع في أفلامه وعلى رأسها " فيلم السيرك" الذي حصد عليه جائزة الأوسكار الفخرية فيما بعد.
وفي العام 1936 أدخل شابلن الصوت إلى فيلمه "العصور الحديثة" إلا أنه يعتبر صامتا بدون حوار تتخلله الموسيقى التصويرية.
نقطة عطف
سبب فيلم "الديكتاتور" الكثير من المشاكل لشابلن حيث جسد فيه شخصية أدولف هتلر النازية وأظهر فيه أطماع الرجل في السيطرة على العالم، ليبعد شابلن فيما بعد عن أمريكا إلى سويسرا على اثر اتهامه بالشيوعية وتم ادانته من قبل المخابرات الأميركية بسبب عبارته التي قالها خلال الحرب العالمية الثانية "أن الانتصار في الحرب مرهون بالتعاون الكامل مع روسيا، وإيقاف الحرب ضد الشيوعيين".
توفي الأسطورة شابلن في منزله في سويسرا متأثرا بجلطة أصابته وهو نائم في الرابع والعشرين من ديسمبر من العام 1977، ليترك خلفه عشرات الأفلام المليئة بالابداع والأفكار الانسانية الراقية.
لكن حكايات شابلن الغريبة لا تتوقف هنا فبعد وفاته وتحديدا في عام 1977، سُرقتْ جثته في أحد أعياد الميلاد. كان محاولة مباشرة للحصول على فدية من الأهل. تمكنت الشرطة من استرجاع الجثة بعد 11 أسبوع من البحث والقبض على المجرمين. جثة شابلن الآن محفوظة على بعد 6 أقدام تحت طبقة خراسانية.
وفي هذا العام وبالتحديد في يوم ميلاده حضر أكثر من 662 شخصا أمام منزله بسويسرا للاحتفال بذكرى ميلاده الـ128 في السادس عشر من الشهر الحالي، واعتمروا قبعة تشابلن المميزة وأمسكوا بعصي شبيهة بعصاه واجتمعوا الأحد في قصر مانوار دو بان في كورسييه – سور – فيفي على ضفاف بحيرة جنيف.