الوقت - بعد تمكن الرئيس التركي "رجب طیب أردوغان" والموالون له من كسب الاستفتاء العام لتحويل النظام البرلماني إلى رئاسي بفارق بسيط، بدأت التساؤلات تثار بشأن مستقبل البلاد في ظل الصلاحيات الواسعة التي منحها هذا التعديل لـ"حزب العدالة والتنمية" الحاكم وشخص أردوغان على وجه التحديد، خصوصاً في ظل الاعتراضات التي أبدتها المعارضة بشأن نتيجة الاستفتاء.
قبل الإجابة عن هذا التساؤلات لابدّ من الإشارة إلى بعض البنود التي وردت في التعديلات الدستوية:
- يحق لرئيس البلاد عدم قطع صلته بحزبه.
- يُلغى مجلس الوزراء، ويتولى الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية.
- رئيس الدولة يتولى قيادة الجيش، ويحق له تعيين الوزراء وإقالتهم.
- يحق للرئيس اختيار 4 أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة الذي يتولى التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يعين البرلمان 7 أعضاء.
- يعرض الرئيس القوانين المتعلقة بتغيير الدستور على استفتاء شعبي في حال رآها ضرورية.
- يحق للرئيس إعلان حالة الطوارئ في حال توفر الشروط المحددة في القانون.
- تُلغى المحاكم العسكرية بما فيها المحكمة القضائية العليا العسكرية والمحكمة الإدارية العليا العسكرية، ويحظر إنشاء محاكم عسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية.
- رئيس الدولة يطرح الميزانية العامة على البرلمان، ويحق للرئيس إصدار مراسيم في مواضيع تتعلق بالسلطة التنفيذية.
هذه البنود وغيرها تبين دون أدنى ريب أن أردوغان قد حصل على صلاحيات واسعة تمكنه من إدارة البلاد بالشكل الذي يضمن له الاستمرار في السلطة واحكام قبضته على السلطتين التشريعية والقضائية، فضلاً عن الاعلام والجيش وباقي المؤسسات المهمة والحيوية في البلاد.
لكن هذا لا يعني أن حزب العدالة والتنمية سوف لن يواجه صعوبات في تمرير برامجه سواء السياسيية أو الاقتصادية أو الأمنية على الرغم من القيود الكثيرة التي وضعتها التعديلات الدستورية على أعضاء البرلمان، والتي من شأنها أن تضعف دور المعارضة وتصب بالتالي في صالح أردوغان والمقربين منه في السلطة.
والمثير للانتباه أن حزب العدالة والتنمية لم يتمكن من كسب الأغلبية المريحة من أصوات الشعب رغم تحالف أحزاب مهمة معه من بينها حزب الحركة القومية (MHP) الذي يتزعمه حالياً "دولت بهتشلي" وحزب الاتحاد الكبير (BBP) الذي يتزعمه "مصطفی دستجي".
كما تجدر الاشارة إلى أن الكثير من المدن المهمة في تركيا ومن بينها العاصمة أنقرة واسطنبول وإزمير وبورصة وأضنة وأنطالیا لم تصوت بالأغلبية لصالح التعديلات الدستورية، وهذا يعني أن حزب العدالة والتنمية وشخص أردوغان سيواجهون مشكلة حقيقية في هذه المدن من شأنها أن تعيق برامجهم المستقبلية في شتى الميادين.
ويعتقد المراقبون بأن أردوغان سيلجأ في المرحلة المقبلة إلى ترميم حزبه "العدالة والتنمية" لمواجهة الخصوم السياسيين على الرغم من الصلاحيات الواسعة التي منحتها إيّاه التعديلات الدستورية.
ومن أبرز خصوم "العدالة والتنمية" حزب الشعب الجمهوري (CHP) بزعامة "كمال كليتشدار أوغلو" وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) الذي يتزعمه "صلاح الدين دميرطاش" المسجون حالياً لأسباب سياسية.
ويرى الكثير من المحللين بأن أحزاب المعارضة ستعمد إلى تشكيل تحالف سياسي لمواجهة حزب العدالة والتنمية وأردوغان للحيلولة دون تفردهم بالسلطة، ويتوقعون كذلك أن تنضم إلى هذا التحالف أحزاب معارضة أخرى بينها "حزب تركيا المستقلة" و"الحزب الديمقراطي اليساري" و"الحزب الإشتراكي العمالي".
أمّا على الصعيد الخارجي فيرى معظم المراقبين أيضاً بأن أردوغان سيواجه مصاعب جمّة من أبرزها عدم تمكنه من تحقيق حلمه بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي اعتبرت أكثر دوله التعديلات الدستورية التركية بأنها تمهد السبيل للديكتاتورية والتفرد بالقرارات المصيرية في شتى الميادين السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى الثقافية والاجتماعية.
على ضوء هذه المعطيات يمكن القول بأن تركيا سائرة نحو المجهول خصوصاً إذا ما عمد أردوغان إلى توظيف الصلاحيات التي منحتها إيّاه التعديلات لتحقيق طموحاته بالتفرد بالسلطة على أرض الواقع، الأمر الذي ينذر بحصول أزمات داخلية وخارجية لايمكن التهكن بتداعياتها ما لم تتكيف أحزاب المعارضة مع الوضع الجديد الذي طوّع الدستور لإرادة أردوغان والذي من المرجح أن تمتد رئاسته حتى عام 2029، لأن التعديلات تتيح له البقاء في منصبه حتى ذلك التاريخ.
وبالمحصلة فإن هذه التطورات ستنعكس بشكل مباشر على علاقات تركيا مع الدول الأخرى لاسيّما روسيا وأمريكا ودول مجلس التعاون، وكذلك على مواقفها إزاء الملفين السوري والعراقي وعموم الأوضاع في المنطقة.