الوقت - خرج "مارتن أنديك" عن صمته مُعترفاً بالفشل الأمريكي أمام التعاظم الإيراني، مُقترحاً عدداً من الخطوات العملية التي يجب على الإدارة الأمريكية تبنيها. كل ذلك يهدف بحسب الدبلوماسي الأمريكي، الى مواجهة إيران في كل مكان، ودفعها نحو طاولة المفاوضات من جديد! وهو ما يعني إرهاقها عبر استهداف مشاريعها وجعلها قابلة للرضوخ للسياسة الأمريكية. في حين لم يلتفت الدبلوماسي المُحنَّك، أنه أطلق بكلامه قنبلةً لها العديد من الأصداء التي تتخطى مُجرد الإعتراف. فأين يكمن الخطر الإيراني على أمريكا؟ وكيف يمكن تفصيل أهم الأهداف الأمريكية التي تتضمنها الإستراتيجية الأمريكية المُقترحة؟
أين يكمن الخطر الإيراني على أمريكا؟
إن أهم ما اعترف به أنديك، يتمثل بما سنسرده فيما يلي، في حين سنُحاول إظهار المعنى العملي الحقيقي للغة السياسية التي اعتمدها. وهنا نُشير للتالي:
التهديد الأول: تصدير الثورة والتدخل بشؤون الدول العربية في المنطقة. وهو ما يعني قدرة إيران على التأثير في شعوب المنطقة ودفعها لرفض الإستكبار العالمي الذي تُمثله السياسة الأمريكية في المنطقة.
التهديد الثاني: قيام ايران بالنشاطات المُزعزعة للإستقرار العالمي ورعايتها للإهارب. وهو ما يتمثل بحسب الذهنية الأمريكية، بدعم إيران لحركات المقاومة لا سيما ضد الإحتلال الإسرائيلي حيث تترأس محور المقاومة والذي بات يتخطى الإقليم.
التهديد الثالث: برنامج تطوير الصواريخ البالستية والنشاطات النووية. وهو ما تترجمه قدرة إيران على تطوير منظوماتها العسكرية وبرامج الدفاع عن النفس. الأمر الذي يُعتبر حقاً طبيعياً لأي دولة، لكنه في الموازين الأمريكية ممنوع.
ما هي أهم أهداف السياسة الأمريكية بحسب الإستراتيجية الجديدة؟
عدة اهداف وضعتها أمريكا والتي تُمثِّل أُسساً لمحاربة التعاظم الإيراني وتعويض الفشل الأمريكي. وهي على الشكل التالي:
العودة الى الشرق الأوسط عبر استراتيجية أمنية جديدة
لا شك أن أمريكا تراجعت على صعيد الشرق الأوسط، ولسنا في وارد النقاش في الأسباب، في حين تُعتبر خطوة العودة الى المنطقة إحدى أهم الخطوات في مواجهة التعاظم الإيراني. وذلك من خلال:
أولاً: الإستفادة من الواقع الإقليمي الجديد، وإحساس عدد من الأنظمة العربية بتراجع الدور. الأمر الذي يمكن أن يجمع بعض الأنظمة مع أمريكا، وهو ما يجب ترسيخه لبناء تحالف قادر على مواجهة المشاريع الإيرانية ضمن إستراتيجية إقليمية مشتركة.
ثانياً: دعم التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي، عبر دعم العلاقات العلنية بين الأنظمة العربية والكيان الإسرائيلي والسعي لإيجاد تحالف وتعاون أمني وعسكري غير مسبوق. وهو ما يجب استثماره لتنسيق الجهود المشتركة ضد إيران.
سوريا والسعي لضرب التأثير الإيراني
شكلت الأزمة في سوريا أحد أكبر الخسائر التي لقيتها أمريكا أمام إيران. وهو ما يجب مواجهته بالتالي وعبر عدة خطوات نُشير لها كما يلي ونؤكد على أنها بحسب رأي أمريكا:
أولاً: الإعتراف بأن هزيمة إيران في سوريا بات أمراً صعباً. الأمر الذي يعني ضرورة إيجاد قواسم مشتركة مع روسيا ودفعها نحو الإبتعاد عن إيران.
ثانياً: محاربة الدعم الإيراني اللوجستي والعسكري لكل من النظام السوري وحزب الله في سوريا. وهو ما يتحقق من خلال التنسيق مع روسيا والإعتماد على الكيان الإسرائيلي عسكريا.
ثالثاً: إعطاء الجولان أهمية خاصة تتمثَّل بمنع جعلها ورقة قوة بيد حزب الله ضد الكيان الإسرائيلي.
رابعاً: العمل على صياغة حل سياسي سوري لا يضمن بقاء الرئيس الأسد ويُطالب بإخراج القوة العسكرية كافة من سوريا.
العراق ومحاولة الإحتضان من جديد
لم يكن الخروج الأمريكي من العراق إلا بداية للتحول في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. فيما أثمرت فشلاً ذريعاً في التعاطي مع ارتدادات ذلك. وهنا يمكن - وبحسب المُخطط الأمريكي - إعادة تعويض الفشل الأمريكي ومواجهة إيران عبر عدة خطوات نُشير لها كما يلي ونؤكد على أنها بحسب الرأي الأمريكي:
أولاً: تقديم الدعم العسكري للعراق، في محاربته الإرهاب، لا سيما في الموصل. فيما يجب التركيز على البعد المذهبي وتقديم العون للمناطق ذات الطابع السني!
ثانياً: إعادة إحياء العلاقات السعودية الإيرانية، والتعويض عن الغياب السعودي عن الملف العراقي. وهو ما دلَّت عليه الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مؤخراً الى بغداد. فيما يُعتبر الفشل في السياسة الإقليمية للسعودية والدولية لأمريكا أحد مبررات ذلك. بالإضافة الى توجهات السعودية القادرة على تأجيج الفتنة المذهبية.
ثالثاً: السعي لدعم إعادة إعمار العراق وإشراك الدول التي تنطوي تحت العباءة الأمريكية بذلك. وذلك في محاولة لتطويق الجهود الإيرانية لدعم العراق.
اليمن واعتماد إستراتيجية دبلوماسية مدروسة
لم تكن سياسة واشنطن تجاه اليمن ناجحة، وهو ما يتطلب العمل على نقاط جديدة تتكون مما يلي:
أولاً: دعم الحل السياسي القادر على تقوية الأطراف التي يمكن أن تعمل خدمة للمشروع الأمريكي في اليمن ومنع الإنزلاق في المستنقع اليمني. وهو ما يعني إفهام الأطراف الإقليمية الحليفة لأمريكا الى مخاطر المستنقع اليمني والسعي لإيجاد أطر للحلول السياسية.
ثانياً: دعم السعودية والإمارات عسكرياً شرط وضع استراتيجية دبلوماسية مدروسة قادرة على استثمار أي ورقة ميدانية في المفاوضات بشكل يخدم المصلحة الامريكية.
إذن، تعددت الملفات والهدف واحد، محاصرة التعاظم الإيراني. لكن ما تقدم، ليس فقط مُقترحاً لخطواتٍ تهدف لإعادة إحياء الدور الأمريكي في المنطقة وحسب، بل دليلٌ على فشل أمريكا وحلفائها في إدارة الملفات المطروحة. والأهم، هو وضوح الإعتراف الأمريكي بأن إيران تُشكل الخطر الأساسي بل الوحيد، على مشاريع أمريكا الهادفة لإستغلال الشعوب. وهنا نطرح ما يلي: ألا يكفي ذلك ليُدين الأنظمة العربية التي باتت شريكة أمريكا في إقصاء الشعوب العربية والإسلامية؟ ألا يُعتبر ما تقدم، دليلاً واضحاً على نجاح إيران إقليمياً ودولياً وقدرتها على التأثير في سياسات المنطقة والعالم ويوضح الأسباب الكامنة خلف العداء الكامن بينها وبين أمريكا؟