الوقت- قد لا تكون هذه الفترة هي الأصعب عسكريا على الشرق السوري رغم حماوتها، ولكن الأكيد أنها الأشد خطورة على مستقبل المنطقة الشرقية جيوسياسيا وذلك لأسباب عدة تتعلق بالأطماع الكردية في الرقة والمخاوف من حملة تخريب مقصودة من قبل التحالف الدولي بقيادة واشنطن عبر تدبير انهيار سد الفرات وما لذلك من تبعات مريعة.
وأما الأطماع الكردية ففي تصريح مريب من حيث التوقيت والمضمون، قال الرئيس المشترك لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" صالح مسلم في حديث لوكالة رويترز أنه وبعد تحرير مدينة الرقة السورية من تنظيم داعش الإرهابي سيكون القرار لأهل الرقة في تحديد مستقبلهم، متوقعا أن تنضم الرقة إلى "الفدرالية في شمال سوريا" والسبب حسب زعم مسلم أن مشروعهم لكل سوريا، ومن الممكن أن تكون الرقة جزءا منه.
وحزب الاتحاد الديمقراطي هو قوة أساسية في "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) التي يشكل الأكراد أكثر من 80 بالمئة من عديدها.
وأما عن سبب اهتمام الأكراد بالرقة فالسبب يعود إلى جغرافيا المنطقة، حيث تؤثر الرقة بشكل كبير على شمال البلاد وبالخصوص على الفدرالية الكردية ومنطقة الإدارة الذاتية للأكراد. مما يجعلها استراتيجية لهم ضمن حلم كردستان الكبرى التي يطمح إليها الأكراد. يذكر أن النظام الفدرالي في شمالي سوريا كان قد أعلن عنه من جانب واحد في السابع عشر من آذار مارس من العام الماضي وذلك خلال اجتماع عقد في مدينة روميلان السورية بمشاركة حوالي 30 حزبا وفصيلا سياسيا معظمها كردي.
وتشمل خطة الحكم الذاتي الكردية ثلاث مناطق، وهي كوباني في ريف حلب الشمالي، وعفرين في الريف الغربي، والجزيرة في الحسكة، بالإضافة إلى مناطق محيطة منها مدينة منبج، ومناطق أخرى سيطرت عليها قسد خلال حربها مع تنظيم داعش خصوصا في محافظتي الحسكة وحلب. أما مدينة الرقة، التي يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي ويعتبرها عاصمة له، فتقوم قوات قسد بعملية عسكرية منذ السادس من تشرين الثاني نوفمبر الماضي بمساندة التحالف الدولي وبدعم أمريكي مباشر، لوجستي وميداني لتحرير مدينة الرقة وريفها من احتلال التنظيم الإرهابي لها.
ولكن يبقى أخطر سيناريو يمكن أن يقع في تلك المنطقة اليوم هو انهيار سد الفرات، حيث تعرضت خلال الأيام الأخيرة غرف التحكم الكهرومائية في السد لقصف متعمد من قبل التحالف الأمريكي، مما عطل هذه الغرف بشكل كامل، في وقت بث تنظيم داعش صورا تشير إلى أن القصف أدى إلى خروقات في جسم السد وأعطال تمنع التحكم بأي شكل من الأشكال في منسوب المياه في السد، مما يشكل خطرا حقيقيا على صموده.
في هذا الوقت دأبت قوات قسد والتحالف الأمريكي على الطمأنة على سلامة السد الذي يختزن ما يزيد عن 14 مليار متر مكعب من المياه خلفه، في محاولة لرفع المسؤولية عنهم في حال انهياره. وفي حال انهيار السد فهذا يعني أن مئات المدن والقرى العراقية والسورية ستغرق بسبب ذلك ومنها مدن الرقة والبوكمال ودير الزور وصولا إلى الفلوجة العراقية. مناطق يسكنها حوالي الثلاث ملايين عراقي وسوري، إضافة إلى تضرر الأراضي الزراعية حيث تعتبر المنطقة هي السلة الغذائية لسوريا.
وفي حال انهيار السد فالخوف الكبير يصبح من استغلال الموقف من قبل الأطراف الكردية المتطرفة التي قد تعمل على عملية تطهير عرقي للمناطق المنكوبة وتحويلها إلى مناطق كردية ضمن سياسة الأمر الواقع.
ميدانيا وفي مؤشر آخر لا يمكن فصله عن استهداف السد، فقد اتخذت "قسد" خطوات ميدانية ليست بريئة ومنها استبدال الهجوم على الرقة من الشمال إلى الغرب أي من مدينة الطبقة ومطارها حماية لقواتها وخوفا من انهيار السد.
إزاء هذه التطورات ارتفعت حدة الموقف التركي، حيث حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مما سماه بمساومات قذرة تجري خلف الأبواب المغلقة لتقسيم المنطقة، في إشارة واضحة إلى الحراك الكردي. هذا وتعتبر تركيا كافة فصائل "قوات سوريا الديمقراطية" تنظيمات إرهابية متحالفة مع "حزب العمال الكردستاني" الناشط في تركيا. وكان الأتراك قد بدأوا بشن عمليات تحت مسمى "درع الفرات" ضد الإرهابيين في سوريا تستهدف بشكل أساسي القوات الكردية في الشمال السوري وذلك منذ حوالي ثمانية أشهر.
ختاما لا بد من لفت نظر الأطراف الكردية كافة، أن حليفهم الأمريكي ورغم أنه يقدم كافة أشكال الدعم العسكري والاستشاري لهم مرحليا، إلا أنه لا يمكن أن يستغني عن حليفه الاستراتيجي (تركيا) لتحقيق مصالح الأكراد. وهذا الأمر من الجيد أن تدركه كافة الأحزاب الكردية جيدا. فسياستهم التوسعية وسيطرتهم على المناطق التي يحررونها من تنظيم داعش لا يعطيهم الحق بضمها إلى فدراليتهم التي يحلمون بها. ناهيك عن أن النظام السوري الذي تمكن من الصمود طيلة سبع سنوات أمام الحرب الكونية عليه وحلفاءه وعلى رأسهم روسيا يرفضون رفضا قاطعا تقسيم سوريا، فسوريا لا يمكن أن تقسم أو يغير نظام حكمها إلا من خلال توافق كافة أبنائها وأطيافها على ذلك.