الوقت- بعد فرحة صهيونية عارمة مما آلت إليه الأوضاع في سوريا خلال السنوات الماضية من دمار واسع واستنزاف الجميع على أراضيها، وحديث قادة الكيان الصهيوني مرارا وتكرارا عن العصر الذهبي الذي يعيش فيه بسبب انهيار الجيوش العربية، والصراعات والحروب التي ابتليت بها البلدان العربية والإسلامية والطائفية المقيتة التي يولع نارها أعداء المنطقة، اليوم ثمة متغيرات مهمة على الساحة السورية باتت تشكل قلاقل إستراتيجية لهذا الكيان الذي يرى أنه حال تثبتت تلك المتغيرات، قد تذهب آماله ورهاناته وأفراحه هباء منثورا.
هذه المتغيرات برزت بعد انجازات، حققتها الدولة السورية و حلفاؤها على أرض الواقع في مواجهة الأطراف المتحاربة معها خلال العامين الماضين، وذلك بدعم جوي روسي وبري إيراني. واستعادة السيطرة على مدينة حلب خلال العام الماضي كانت تمثل قمة هذه الانجازات.
"إسرائيل" التي كانت تتابع الأوضاع السورية بسعادة بالغة، وهي ترى أن سوريا المقاومة باتت تتدمر على صفيح ساخن، اليوم بسبب تلك المتغيرات، وصلت إلى قناعة بأن كل ما كانت ترغب في تحقيقها لم يتحقق، وأن واقعا جديدا بات يتشكل في سوريا، يمثل تهديدا استراتيجيا لها، إذ أن ألد أعداء الكيان الصهيوني بين دول العالم، أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتحكم اليوم في بلورة هذا الواقع المخيف للكيان الإسرائيلي.
الخوف الشديد الذي ينتاب الكيان الصهيوني من مآلات هذا الواقع حال اكتماله، دفع رئيس وزرائه إلى التحرك السريع في أكثر من صعيد، ولاسيما نحو قوتين دوليتين:
1ـ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تضغط الحكومة الإسرائيلية على الإدارة الأمريكية الجديدة لتبني سياسة أكثر صلابة وقوة في مواجهة النفوذ الإيراني في عموم المنطقة، ولاسيما في الدول الجارة لفلسطين المحتلة، وعلى رأسها سوريا، هنا تريد "إسرائيل" من الولايات المتحدة الأمريكية الانتقال من سياسة التدخل غير المباشر المتبعة أيام الرئیس السابق باراك أوباما إلى سياسة التدخل المباشر. ولعل دخول عدد كبير من قوات المارينز الأمريكي إلى سوريا مؤخرا، والحديث المتزايد عن اعتزام واشنطن إرسال مزيد من القوات إلى العراق والمنطقة، يمثل مؤشراً قوياً على توجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى العودة لسياسة "التدخل المباشر".
وفي هذا السياق، شهدت الفترة الأخيرة اتصالات أمريكية إسرائيلية كثيفة، على مختلف المستويات، كما أن كل ما نشر في الاعلام عن هذه الاتصالات واللقاءات قبلها وبعدها، يؤكد أن التباحث حول مواجهة "إيران ونفوذها الإقليمي" تشكل جزءا أساسيا من المباحثات الأمريكية الإسرائيلية، وخاصة ما حصل بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، سواء في لقائهما أو الاتصالات التي تلت هذا اللقاء.
2ـ روسيا الاتحادية، التي يولي الكيان الصهيوني أهمية كبيرة للعلاقات معها، لا تقل عن أهمية العلاقات مع الحليف الأمريكي، فمن هذا المنطق، التقى رئيس الوزراء الاحتلال الإسرائيلي بالرئيس الروسي فيلاديمير بوتين مرات عديدة خلال العام الأخير.
تكثيف اتصالات قادة هذا الكيان بالروس خلال الفترة الماضية يأتي لسببین بارزين، الأول؛ تعاظم الدور الروسي في الشرق الأوسط، هنا يسعى الكيان الصهيوني توجيه هذا الدور المتصاعد لصالح المصلحة الإسرائيلية، وبالأحرى أسارته، ثم الحيلولة دون ذهابه بعيدا نحو مسارات تتعارض مع هذه المصلحة، والثاني؛ القلق من مزيد من التقارب الإيراني الروسي لاسيما في ساحات مثل سوريا، والتي على الأغلب، على المدى البعيد سيكون على حساب المصالح الإسرائيلية، لذلك كلما تتداخل المصالح الإيرانية الروسية، كلما تتزايد المخاوف الإسرائيلية من ارتدادات هذا التشابك المصلحي بين إيران وروسيا على مستقبلها.
فمن هذا المنطق، يسعى الكيان الإسرائیلي من خلال تعزيز علاقاته مع روسيا الاتحادية وتكثيف اتصالاته معها، إبعاد الأخیرة عن إيران، والحيلولة دون تشبيك مصالحهما أولا، ثم تحريض موسكو على طهران وتغيير وجهة المصالح الإيرانية الروسية من التقارب والتداخل إلى التعارض والتصادم.
ما ذهبنا إليه في هذا التحليل حول تزايد مخاوف "إسرائيل" من الدور الإيراني في سوريا، يؤكد عليه رئيس الوزراء الصهيوني جليا، حيث قال في تصريحاته الصحفية عقب لقائه الرئيس الروسي الخميس الماضي (08 آذار 2017): "إيران تسعى لإنشاء ميناء وتثبيت وجودها العسكري في سورية، الأمر الذي يشكل تهديدا ويترك تداعيات خطيرة على أمن إسرائيل".
كما أكد نتنياهو أن الهدف الرئيسي من وراء زيارته إلى روسيا، هو مناقشة النفوذ الإيراني في سوريا، حيث أكد: "هذه القضية كانت في جل المباحثات التي أجريتها مع الرئيس الروسي، حيث أكدت له أن التوسع الإيراني يتناقض ويتعارض مع المصالح المشتركة لروسيا وإسرائيل، بل ويحول دون التوصل إلى تسوية مستقبلية في سورية."
عموما، يبدو أن الإسرائيليين لم ينجحوا حتى اللحظة في استمالة عقول الروس للحد من النفوذ الإيراني كما يرغبون، للبناء عليه في مواجهة الواقع الجديد الذي بدأ يتشكل في سوريا، رغم العمليات الإرهابية التي تقوم بها الطائرات الحربية الإسرائيلية في الأراضي السورية بين حين وآخر. وفي هذا السياق، الشكل الذي ستتخذه العلاقات الأمريكية الروسية خلال المرحلة المقبلة سيكون له تأثير كبير على ما يرنو إليه الكيان الصهيوني في المنطقة بشكل عام، وسوريا بشكل خاص.
خلاصة القول أن الكيان الصهيوني تنتابه مخاوف كبيرة من واقع سوري جديد، بدأ يتشكل بفعل التواجد العسكري الإيراني، تضاف إلى قلاقل هذا الكيان السابقة النابعة من البصمات الإيرانية الواضحة في المقاومة اللبنانية على الحدود الشمالية، والمقاومة الفلسطينية على الحدود الجنوبية لفلسطين المحتلة، كما أن إعلان حركة النجباء العراقية عن تشكيل لواء لتحرير الجولان يفترض ان يزيد من هذه المخاوف الإسرائيلية.