الوقت- تعيش العلاقة بين تركيا وألمانيا توتراً يتخطى حدود البلدين. حيث تسعى ألمانيا للضغط على تركيا فيما يخص ملف الهجرة وذلك إنطلاقاً من سعيها للدفاع عن الأمن القومي الأوروبي الذي بات يهدده ملف المهاجرين غير الشرعيين. من جهةٍ أخرى، تسعى ألمانيا لإيصال رسالة واضحة لأنقرة، مفادها أن العلاقات التركية الأوروبية يجب أن تراعي المصالح الأوروبية، وليس المصالح الروسية أو التركية الخاصة. فماذا في زيارة ميركل لتونس ومصر؟ ولماذا التصعيد التركي؟ وما هي أهم دلالات ذلك؟
زيارة ميركل الى مصر وتونس: الأهمية والدلالات
تشهد الزيارة الألمانية في الفترة الحالية لكلٍ من مصر وتونس، أهمية ودلالة خاصة. في حين يمكن القول أن الزيارة الى مصر بالتحديد تلقى زخما كبيراً، وتدل على نقلة نوعية في كل المجالات، منذ زيارة الرئيس المصري الأخيرة الى برلين. حيث جاءت الزيارة لبحث العديد من الملفات والتي تتعلق بـ: العلاقات السياسية والإقتصادية بين ألمانيا و مصر، القضايا الإقليمية في إفريقيا، الوضع في ليبيا وسياسة الهجرة بالإضافة الى وضع المؤسسات السياسية الألمانية والمجتمع المدني في مصر. من جهة أخرى تعود العلاقة بين المانيا وتونس الى مجرياتها في ظل التوافقات التي تحصل بين البلدین، خصوصاً ملف الهجرة وما يتعلق بضبط الحدود.
التصعيد التركي وعلاقته بالجولة الألمانية
ليس بعيداً عن الجولة الألمانية، هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السلطات الألمانية التي منعت تجمعات تؤيد التعديل الدستوري التركي وردّ في خطابٍ له على انتقادات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن الصحفي المعتقل متهماً إياه بأنه "عميل ألماني" وعضو في جماعة كردية مسلحة متشددة. وطالب أردوغان الذي اتهم ألمانيا بالفاشية، بمحاكمة المسؤولين الألمانيين الذين سمحوا للقيادي في حزب العمال الكردستاني جميل باييق بالحديث عبر الأقمار الصناعية إلى الأكراد في ألمانيا، في حين منعوه هو ووزيرين آخرين من الحديث إلى جماهير حزب العدالة والتنمية في ألمانيا.
بين الزيارة الألمانية والتوتر مع أنقرة: تحليل ودلالات
عدة مسائل يمكن لحاظها من خلال ما يجري، تتعلق بالسلوك الألماني تجاه دول كمصر وتونس، والسياسة الغربية تجاه تركيا، نُشير لها في التالي:
أولاً: تأتي الزيارتان في الوقت الذي تبحث فيه الدول الأوروبية عن سبل لتصدير مسؤوليتها تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، بما في ذلك تكرار الصفقة بين الإتحاد الأوروبي وتركيا لإعادة المهاجرين الذين يصلون إلى الاتحاد الأوروبي عبر تركيا ودول شمال إفريقيا.
ثانياً: تُعد زيارة ميركل مؤشراً هاماً على حيوية العلاقات الألمانية مع الدول التي تُعتبر منافسة لتركيا وتحديداً مصر. فيما لا يقتصر التعاون الألماني المصري على المجالين السياسي والإقتصادي فحسب، بل يمتد ليشمل أيضاً اتفاقيات وثيقة بين البلدين في مجالات الثقافة والعلوم والمجتمع المدني. وهو ما يجعل من العلاقة بينهم إستراتيجية.
ثالثاً: تأتي زيارة ميركل في ظل معاناة كبيرة تعيشها ألمانيا فيما يخص ملف اللاجئين إليها. وهو ما يجري في ظل أزمة علاقة سياسية ودبلوماسية بين برلين وأنقرة قد تجعلها تسعى للتقارب مع دول المنطقة كتونس ومصر. فيما تُعتبر الأخيرة منافساً إقليمياً لتركيا وهو ما تسعى له ألمانيا في محاولة للضغط على تركيا.
رابعاً: وعدت ألمانيا بتقديم المساعدة الى مصر عبر دعمها اقتصادياً. الأمر الذي بادلته مصر بمحاولة الرقابة على المعابر البحرية التي تساهم في الهجرة غير القانونية.
خامساً: إن الأزمة بين الطرفين الألماني والتركي تفاقمت نتيجة قيام برلين برفض تسليم أتباع المعارض التركي فتح الله غولن. بالإضافة الى اعتقال السلطات التركية لصحفي ألماني. كما أن إلغاء أحد الوزراء الأتراك لكلمة كان يريد القائها في ألمانيا يأتي ضمن هذا السياق. كل هذه الأمور مجتمعة أدت الى تفاقم العلاقة بين أنقرة وبرلين وتصعيد الطرفين.
سادساً: توصلت میركل الى توافقات مع الرئيس التونسي و المصري. الأمر الذي تسعى ألمانيا من خلاله لإيصال رسالة الى أنقرة مقتضاها أن الضغط من خلال ورقة الهجرة غير الشرعية لا ينفع وأن ألمانيا قادرة على إيجاد بدائل. فيما على تركيا أن تعتبر أوروبا ملجأها الوحيد.
سابعاً: يحمل السلوك الألماني رسالة الى تركيا مفادها أن أنقرة عضو في حلف الناتو ويجب أن تتبع في سياستها لأوروبا والتنسيق معها أمر ضروري فيما يخص المصالح المشتركة لا سيما الملف السوري.
إذن، تتوتر العلاقات بين الدول، في ظل واقعٍ إقليمي ودولي خطير. فالمصالح التي تجمع الدول هي التي تحدد أسس العلاقات. وها هي اليوم تركيا تصطدم بالغرب من جديد، في كباشٍ يُعتبر جزءاً من المسار المتوتر في العلاقات التركية الأوروبية. حيث تسعى تركيا لفرض شروطها، أما أوروبا فهي تسعى لتحييد تركيا عن روسيا وجعلها ضمن عباءة المصالح الأوروبية.