الوقت- عادت الحرب الباردة بين أمریکا وروسيا، وعاد فتيل التوتر الى الاشتعال ولو ببطء حتى وصل الى الحدود الروسية من جهة اوكرانيا هذة المرة، راسماً حدود معالم الصراع القديم الجديد، وحرب سعت من خلالها امريكا الى إيصال شرارتها الى الثوب الروسي على قاعدة فتح وتوسيع جبهات الصراع.
فمنذ غزو العراق 2003 تسارعت وتيرة الصراع خلال التدخل العسكري الروسي فى أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عام 2008 ثم تزايد سرعةً بعد أحداث شبه جزيرة القرم وضمها إلى روسيا. وأظهر ذلك موسكو أمام أمریکا وأوروبا أكثر قوة ونفوذا بشكل لم يسبق له مثيل منذ انهيار الاتحاد السوفييتى أوائل تسعينيات القرن الماضي.
هذه الصراعات اتخذت طابعين مختلفين ضمن السياق الذي يخدم الهدف نفسه، الطابع السياسي المباشر والطابع العسكري غير المباشر اي عبر الوكالة.
الصراع السياسي المتأزم
لم تهدأ ساحات المعارك السياسية بين العملاقين بل بقيت جمراً تحت رماد الواقع السياسي العالمي الذي جاء نتیجة انهيار الاتحاد السوفياتي سابقاً، حتى بداية الغزو الامريكي للعراق وما تلاه من احداث أججت الصراع مجدداً من خلال ازمات كل من أوسيتيا الى أبخازيا وشبه جزيرة القرم وانتهاءاً بأوكرانيا.
فأمریکا وأوروبا دعمتا التحرك في أوكرانيا في شباط / فبراير عام 2014 والذي أدى في النهاية إلى إزاحة الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانكوفيتش وسيطرة موالين للغرب على سدة الحكم في البلاد. ووجدت روسيا نفسها أمام تهديد مباشر راهن فيه الغرب على عدم التدخل العسكري الروسي، لكن حدث ما لم تتوقعه كل من اوروبا وواشنطن.
إن السياسة العامة عند أمريكا هي أن تبقى أوكرانيا بؤرة توتر ساخن في خاصرة روسيا تستعملها وسيلة للضغط أو الابتزاز لجعل روسيا خطاً أمامياً لأمريكا في عدد من القضايا الدولية مثل سوريا والاتفاق الإيراني النووي ونحو ذلك. لكن أموراً طرأت في الآونة الأخيرة (خاصة بعد اتفاق مينسك الذي يقضي بوقف لإطلاق النار شرقي أوكرانيا اعتبارا من الأحد 15/02/2015م وإقامة منطقة منزوعة السلاح( وهي أن أمريكا لم يعجبها هذا الهدوء المستمر بمناوشات محسوبة في أوكرانيا، وبخاصة أن القضايا الدولية أصبحت تتصاعد، والضغط والابتزاز مع روسيا لا يُنتج إذا (بردت) خاصرة روسيا، فعمدت أمريكا إلى تسخين الموقف في أوكرانيا. ناهيك عن الازمة السورية التي كانت فيه موسكو وواشنطن في ذروة القتال بالمعنى السياسي. فروسيا دعمت الحكومة السورية بالمواقف السياسية في مجلس الامن التي استخدمت فيه موسكو حق النقض الفيتو لصالح الدولة السورية، بالاضافة الى التقارب الروسي المصري، والروسي الاوروبي التي تجلى باتفاق مينسك التي كانت تسعى فيه اوروبا لحفظ مصالحها بالرغم من السخط الامريكي.
الصراع العسكري بالإنابة
أغلب الصراعات بين الدول الكبرى وخاصة السياسية تنعكس عسكرياً بالإنابة او عبر الوكلاء، لذلك اتخذت الحرب الباردة الساخنة الروسية الامريكية طابعاً جديداً بعد الجولات المتعددة في الحلبات السياسية الى ان وصلت الى الساحة العسكرية غير المباشرة على الاراضي الاوكرانية. فموسكو سعت الى مساندة الانفصاليين الاوكرانيین مقابل الدعم الامريكي للرئيس الاوكراني الجديد عبر إمداده بالاسلحة الفتاكة بحسب ما نشرته بعض وسائل الإعلام بأن كيري وزير الخارجية الأمريكي قد زار كييف في الوقت الذي كان يلتقي فيه بوتين مع ميركل وأولاند لبحث موضوع الاتفاق السياسي، وكان كيري يبحث في كييف خلال زيارته تزويد واشنطن قوات كييف بأسلحة فتاكة، وهو يعلم أن المجتمعين في مينسك يعارضون ذلك.
وكانت واشنطن أعلنت سابقاً أنها ستقدم إلى كييف مساعدات عاجلة قيمتها 118 مليون دولار، خصصت لتدريب القوات الأوكرانية، وتقديم تجهيزات بينها بزّات وقاية وسيارات عسكرية وأجهزة للرؤية الليلية، فكان الرد الروسي عبر الناطق باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش بأن «تزويد كييف أسلحة أمريكية متطورة لا يهدد بتصعيد النزاع فقط، بل كذلك أمن روسيا التي تعرضت أراضيها لقصف الجيش الأوكراني مرات». وحذّر من أن «اتخاذ قرار من هذا النوع سيُلحق أضراراً فادحة بالعلاقات الروسية – الأمريكية.
ولقد كان للازمة السورية نصيب لا بأس به من انعكاس لصورة الازمة بين المتخاصمين، فروسيا وحتى هذه اللحظة تمد الحكومة والجيش السوري بالسلاح والمعدات القتالية مقابل الدعم الامريكي لمعارضين مثل حركة حزم بشكل مباشر او للجماعات الارهابية بشكل غير مباشر.
وبالعودة الى الصراع الأوكراني وما نتج عنه من ازمة ثقة، اتجه أسطول الشمال وقوات الإنزال الروسية إلى منطقة القطب الشمالي “لتوفير الأمن العسكري” بحسب تعبير وزير الدفاع الروسي، حيث خطوط الاشتباك الاقتصادي الأكثر حيوية مع أمریکا، بالاضافة الى نشر الجيش الروسي في شبه جزيرة القرم قرابة ثمانية آلاف جندي تابعين لسلاح المدفعية والصواريخ بالإضافة إلى نشر قوات من مشاة البحرية الروسية وسلاح المهندسين في محيط مضيق “كرتش” الذي يفصل ما بين شبه الجزيرة وروسيا.
قوبل ذلك من الجانب الامريكي بإرسال 900 من المظليين لتدريب الحرس الجمهوري الاوكراني وقد يليه مناورات مشتركة تصعد الموقف المتأزم يكون المستقبل كفيلاً بالتحدث عنها.
ان كل ما يجري على الحلبة الاوكرانية لا يخدم مصلحة الشعب الاوكراني الذي كان يتعايش مع الجار الروسي على مدى سنوات طويلة، لا بل تداخل معه الى حد التأثير الثقافي وغيره، الى ان أتت الاحداث التي اطاحت بالرئيس فيكتور يانكوفيتش بدعم امريكي واضح قالبةً موازين الاستقرار الروسي وضاربة بعرض الحائط الالتزامات المسبقة ومشعلة ازمة جديدة بمنأى عن حدودها(امريكا) تشغل موسكو وتبعدها عن التاثير السياسي العالمي.