الوقت - تتواصل الضربات الأمريكية للعديد من خلايا تنظيم القاعدة في اليمن. الضربات الجديدة ليس آخرها قصف بوارج أمريكية لمواقع تنظيم القاعدة، وقبلها عملية الإنزال المظلي في قرية يكلا بمديرية قيفة في محافظة البيضاء (وسط اليمن)، وقبلها الغارة التي استهدفت "مسؤول كبير في تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، وفق بيان البنتاغون الأمريكي قبل أسابيع قليلة، لم تنجح في الحد من قدرات التنظيم الإرهابي الذي وسّع من أماكن سيطرته.
العملية العسكرية الأخيرة وما قبلها التي تأتي في أعقاب تزايد الضربات الجوية ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، تميط اللثام عن حجم القوّة التي بات يتمتّع بها التنظيم أكثر من السابق، ويدفعنا للتساؤل عن حقيقة الضربات الأمريكية، وعن أسباب سطوع نجم التنظيم بهذا الشكل على الساحة اليمنيّة.
القاعدة في اليمن
تعدّ القاعدة في اليمن من أخطر أفرع التنظيم الإرهابي في العالم، وفق الإدارة الأمريكية، خاصّة أنها أثبتت مرونة غير مسبوقة في تفادي الضربات التي استهدفت قياداتها بدءاً من أنور العولقي، الذي قُتل إثر غارة لطائرة أمريكية دون طيار، مروراً بناصر الوحيشي وليس انتهاءً بعبد الرؤوف الذهب، زعيم خلية القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وشقيقه سلطان الذهب، ويوسف الجوفي الذين قتلوا في عملية إنزال "البيضاء".
وأمّا فيما يتعلّق بالضربات الأمريكية لهذا التنظيم، ففي حين يرى حُماتها أنّها تأتي في سياق مكافحة واشنطن للإرهاب، من حق مُخالفيها التساؤل عن حيثيّاتها والمعايير الأمريكية لعملية التصفية، فهل كل قيادي في القاعدة فرع اليمن هو هدف للطائرات الأمريكية؟ أم أن الأمر يقتصر على أولئك الذين يهدّدون المصالح الأمريكية؟ في هذا الصدد تجدر الإشارة إلی النقاط التالية:
أولاً: إن الهدف الرئيس من الضربات الأمريكية للقاعدة في اليمن هو منع التنظيم من "ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة"، وفقاً للمتحدث السابق باسم الخارجية الأمريكية بي.جي كراولي. فالجماعات الإرهابية التي لا تستهدف المصالح الأمريكية ستكون بمنأى عن ضربات واشنطن الأمر الّذي يكشف زيف الشعار الأمريكي "مكافحة الإرهاب".
ثانياً: أثبتت الضربات الجويّة خلال السنوات العشر الماضية فشلها في الحد من قدرات تنظيم القاعدة المتزايدة على الساحة اليمنية. فلا يمكن التغافل عن كون الواقع القبلي اليمني عزّز مرونة التنظيم الاستثنائية في استبدال قياداته العسكرية، وهذا ما يميّز فرع التنظيم في هذه المنطقة عن باقي الأفرع في مختلف دول العالم.
ثالثاً: لم تفشل أمريكا من خلال ضرباتها في الحد من قدرات القاعدة، بل على العكس تماماً حيث تسبّبت الأخطاء الأمريكية في استهداف المدنيين ليس آخرها مقتل30 شخصا، من بينهم 10 نساء وأطفال، قتلوا في غارة الكوماندوس الأخيرة في البيضاء، تسبّبت بزيادة نقمة سكّان تلك المناطق على أمريكا، ما دفع بالعديد منهم للانخراط في التنظيم بغية "الثأر". وقد جاء في تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة مستقلة، مؤخراً أن الغارة التي شنتها قوات أمريكية بموافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عطلة هذا الأسبوع قد تكون أعطت دفعة دعائية لتنظيم القاعدة في اليمن. وتوضح أبريل آلي كبيرة المحللين لشؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية أن "الغارة... مثال جيد على ما لا يجب عمله.. العدد الكبير من الضحايا المدنيين مثير للغضب بشكل عميق ويخلق مشاعر مناهضة للولايات المتحدة في اليمن بشتى أطيافه السياسية وهذا ينصب لصالح تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ".كذلك، أعرب عدد من الخبراء بالأمن القومي الأمريكي عن خوفهم من أن يقوم تنظيم القاعدة باستغلال مقتل الطفلة "أنوار" (8 أعوام)، ابنة القيادي في تنظيم القاعدة باليمن أنور العولقي.
العدوان السعودي
وحتّى لو سلّمنا بالخسائر الفادحة التي تلقّتها قيادات القاعدة في اليمن إثر الضربات الجويّة الأمريكية، ولكن، ألم يتسبب العدوان السعودي الذي جاء بغطاء أمريكي في سطوع نجم التنظيم على الساحة اليمنية؟
ألم يحقق تنظيم القاعدة "انتصارات" واسعة جنوب البلاد بعد فرض سيطرته على أراض واقعة بين مدينتَي "عدن" و"المكلا" الجنوبيتين، واستحواذه على كميات كبيرة من العتاد العسكري، واستغلاله لموارد حقول النفط والموانئ الجنوبية؟ ألم يتوسّع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خلال العامين الماضيين وينهب الفرع المحلي للبنك المركزي في المكلّا؟
وهنا نسأل: ألم يتحالف العدوان السعودي مع التنظيم الإرهابي في الجنوب اليمني ضدّ قوات الجيش واللجان الشعبية في إطار ما سُمّي حينها بعملية "السهم الذهبي" التي كانت كارثية على الجنوب اليمني حيث احتل التنظيم حينها أجزاء واسعة من مدينة عدن؟ ألم تلجأ السعودية للقاعدة بغية إيجاد توازن ميداني ما في مواجهة الجيش اليمني واللجان الشعبيّة؟
هذا غيض من فيض النتائج الكارثية للعدوان على اليمن، وبالتالي فإن الضربات الأمريكية اليوم تسعى لمعالجة النتائج، التي تتعارض ومصالحها فقط، دون أن تلتفت إلى الأسباب التي تقف خلف هذه القوّة التي بات يتمتّع بها التنظيم الذي سيطر على العديد من الأسلحة الأمريكية خلال العامين الماضيين في الجنوب اليمني.