الوقت - تبدّلت الحسابات الأمريكية الإسرائيلية منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض رأساً على عقب. الرئيس الأمريكي الجديد الذي طالب بعد فوزه في الانتخابات من الكيان الإسرائيلي "الصمود" حتى يدخل البيت الأبيض، بدأ بتنفيذ رؤيته تجاه الشرق الأوسط، ضارباً عرض الحائط كافّة المساعي والاتفاقيات السابقة بما فيها النتائج التي توصّلت إليها الرباعية الدولية، بصرف النظر عن موقفنا منها.
ويبدو واضحاً انفجار أسارير القيادات السياسيّة في الكيان الإسرائيلي التي كثّفت من عملياتها الاستيطانية بشكل فاضح حيث أعلن التوسع في المستوطنات للمرة الثالثة منذ تولي ترامب السلطة وخطط لبناء أكثر من 6000 بيت جديد في مستوطنات بالضفة الغربية المحتلة دون أن تصدر أي إدانة للقرارات الإسرائيلية من البيت الأبيض على عكس ما كانت تفعله إدارة أوباما.
حقبة ترامب
ولفهم الواقع الجديد، لا بد من الوقوف على بعض التصريحات الإسرائيلية والأمريكية التي تكشف معالم المرحلة الجديدة. ففي حين اعتبر رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية بأنه يشكل "فرصة عظيمة" لکيانه، مهنئاً ترامب في- 20كانون الثاني/يناير عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر بعبارة "صديقي"، قدم وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت من حزب البيت اليهودي القومي المتطرف في 22 - كانون الثاني/يناير، أي بعد يومين من تولي ترامب، قدّم مشروع قانون لضم مستوطنة معاليه ادوميم القريبة من القدس، فيما يشكل خطوة تثير جدلا حادا لأنها ستتسبب بقطع الضفة الغربية إلى قسمين وعزل القدس، إلاّ أن نتنياهو قام بتأجيل البحث في الموضوع إلى حين لقائه مع ترامب في منتصف شباط/فبراير الجاري.
كذلك، بلدية القدس التي أعلنت موافقتها على بناء أكثر من 6000 آلاف وحدة سكنية على ثلاث دفعات، واكد نائب رئيسها مئير ترجمان أن "قواعد اللعبة تغيرت مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة. لم تعد أيدينا مقيدة مثلما كانت عليه وقت باراك اوباما". وفي حين تعهد نتانياهو أمام وزرائه برفع كافة القيود أمام الاستيطان في القدس الشرقية المحتلة، بدأ البرلمان الإسرائيلي في- 30 كانون الثاني/يناير، بحث إقرار نهائي لمشروع قانون يسمح للكيان الإسرائيلي بمصادرة مئات الهكتارات من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.
يبدو واضحاً التوجّه الإسرائيلي في التفلّت من كافّة القيود السابقة، وهو الأمر الذي قد يتعزّز بشكل كبير مع اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي يتوقع أن يتم في 15 شباط، حيث تجمع الأوساط السياسيّة والصحافيّة على أنّه سيعزّز الهامش الأمني للكيان في المرحلة المقبلة،لا سيما بعد العلاقة التي اتسمت ببعض من البرودة في السنوات الأخيرة.
هامش أمني
إن الخطوات الإسرائيلية والأمريكية الراهنة تؤكد نيّة البلدين على إيجاد هامش أمني ثلاثي الأبعاد الأوّل داخلي، والثاني إقليمي والأخير دولي تتكفّل به واشنطن، ويمكن تلخيص بعض الخطوط العريضة لهذا الهامش الذي سيتضح أكثر فأكثر بعد لقاء نتنياهو بترامب في النقاط التالية:
أوّلاً: لعل الخطوة الأبرز في إيجاد هذا الهامش الأمني هو الحديث عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقد ذكّر نتنياهو قبل أيام ترامب بأحد الوعود التي قطعها إبان حملته الانتخابية بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس. السلطات الإسرائيلية التي وصفت ترامب بـ"المنقذ"، تنتظر اليوم دخول هذا الوعد حيّز التنفيذ، إذ تؤكد مصادر إسرائيلية أن لقاء نتنياهو-ترامب يبشّر بتحسن مكانة "اسرائيل".
ثانياً: وعلى الصعيد الدولي أيضاً، أعلنت المندوبة الأمريكية الجديدة في الأمم المتحدة نيكي هالي أن واشنطن ستعمل "على إفشال قرارات ضد إسرائيل"، مخاطبة معارضي بلادها: سنسجل أسماءكم. ليس ذلك فحسب، بل نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن دبلوماسيين غربيين وعرب قولهم، إن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، نقلت خلال الأيام الاخيرة رسالة واضحة جدا للسلطة الفلسطينية حذرتها فيها من مغبة التوجه إلى المحكمة الدولية لمقاضاة الكيان الإسرائيلي على خلفية قراراته الإستيطانية الأخيرة، مهدّدةً باتخاذ خطوات عقابية شديدة ضد السلطة الفلسطينية من بينها وقف المساعدات الأمريكية، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن، وخطوات شديدة أخرى.
ثالثاً: على الصعيد الإقليمي، يبدو أن سياسة ترامب مع بعض دول الإقليم بدءاً من مصر وليس انتهاءً بالسعودية، ستؤدي للحؤول دون أي موقف ضد سياسته الإقليمية. مصر تسعى للحصول على الدعم الأمريكي، في أن السعودية تخشى تفعيل قانون جاستا من جديد، أو أن يشملها قانون الهجرة. هنا لا يمكن التغافل عن كون الهجوم على إيران إحدى أبرز سياسات الهامش الأمني للكيان الإسرائيلي.
رابعاً: على الصعيد الداخلي، يبدو أن الإستيطان إحدى أبرز خطوات هذا الهامش الأمني والذي تعدّى أكثر من 6000 منزل خلال عشرة أيام فقط، ما يعد رقماً قياسياً وسابقة تاريخية في تاريخ الكيان الإسرائيلي.
خامساً: لا يقتصر الهامش الأمني الجديد على الضفّة الغربية، بل يتمحور الحديث خلال الفترة الأخيرة عن غزة وعن المقاومة الفلسطينية، ما يشير إلى مشروع إسرائيلي أمريكي مشترك لهذه المنطقة، لاسيّما بعد إقرار الجيش ميزانية بناء جدار عازل، وكلام وزير الحرب أفيغدرو ليبرمان مؤخرًا، عندما زار حدود القطاع هذا الأسبوع، قائلاً: "إن الهدوء على هذه الجبهة هو هدوء خداع، ولا يمكن ان نثق به ويمكن ان ينهار في أي وقت".