الوقت- للوهلة الأولى تبدو العلاقات السعودية القطرية وكأنها قد طوت مرحلة الخلافات والتوترات، ودخلت مرحلة التفاهم والوئام، وها هي القوات القطرية تشارك دون أي تثاقل إلى جانب نظيرتها السعودية في العدوان على اليمن، في إطار "الدمع المرتعد" أو ما تسمى عملية "عاصفة الحزم"، وقد خصصت قناة الجزيرة القطرية جزءاً كبيراً من ساعات بثها لدعم هذا العدوان، بل قامت بوصف قتلى حرس الحدود السعودي الذين سقطوا بالمواجهات مع اليمنيين بالشهداء، الأمر الذي لم تقم به حتى قناة العربية السعودية. ويكثّف الأمير القطري من لقاءاته مع المسؤولين السعوديين، مجدداً دعمه ومباركته للعدوان السعودي على اليمن .
ولم تطرح الدوحة –على غير عادتها- أي مبادرة للحل السياسي في اليمن رغم كل الانفتاح الذي كانت تبديه تجاه حركة أنصار الله في اليمن والعلاقة التي كانت تجمعها مع أطياف الشعب اليمني. فهل سلّمت الدوحة لزعامة السعودية على مجلس التعاون، وهل تنازلت عن الدور الذي تسعى له كوكيل معتمد للمنطقة إقليمياً وعربياً في ساحة التوازنات السياسية والاقتصادية العالمية؟
مما لا شك فيه أن السعودية وفي حال نجحت في تحقيق أهدافها من العدوان على اليمن، سوف تتحول إلى القوة المسيطرة والمتحكمة بالقرار الخليجي بشكل مطلق، وستكرس هيمنتها بشكل واسع على جميع دول مجلس التعاون، وسيصبح القرار القطري مرتهناً إلى حد بعيد للقرار السعودي. فهل ستقبل قطر بهكذا وضع بعد كل المساعي والمجهود الكبير الذي بذلته للضلوع بدور مؤثر في المنطقة منذ عام 1995 حتى يومنا هذا؟
فماذا وراء الدعم القطري للعدوان الذي تشنه السعودية على اليمن؟ وهل الدوحة صادقة في نواياها تجاه السعودية؟ أم أن لها أهدافاً مبطنة، ستنجلي بعد انقشاع غيمة الحرب؟
لمحة عن تاريخ صراع الهيمنة السعودي القطري
بدأت قطر منذ العام 1995 تخطو باتجاه لعب دور عربي وإقليمي هام، لاسيما بعد أن بدأت قوتها الاقتصادية بالنمو من خلال تصدير الغاز بشكل تجاري، لتطمح بعد ذلك للعب دور البديل المناسب لدور الوكيل الجديد للمصالح الغربية في المنطقة، خصوصا مع تحررها من الكثير من المعوقات الفكرية والسياسية التي تعيق تحرك السعودية، حيث كانت قطر أول دولة خليجية تتبادل التمثيل التجاري مع الكيان الإسرائيلي .
المنافسة بين الدولتين كانت لها مسارح عديدة، حيث قامت قطر بمنح أراضيها للقوات الأمريكية كقاعدة عسكرية للغزو الأمريكي للعراق، ومن ثم لعبت دور الوسيط العربي والإسلامي عبر احتضان معاهدة الصلح بين حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين بعد أن فشلت اتفاقية مكة قبلها ببعض أشهر، وهو الدور الذي أظهر السعودية باعتبارها عاجزة عن لعب دورها التاريخي كوسيط قادر على الإنجاز في القضايا العربية والإسلامية الملحة .
ومع بدء أحداث ما يسمى "الربيع العربي" احتدم الصراع بين الطرفين للهيمنة على الدول العربية بدءً من تونس مروراً بمصر وليبيا وسوريا وأخيراً اليمن .
إلا أن الفصل الأكثر توتراً في العلاقات بين الطرفين، كان بعد عزل محمد مرسي وسقوط دولة الإخوان المسلمين في مصر، ودعم قطر للإخوان المسلمين في ظل دعم السعودية لحكومة السيسي، الخلاف الذي أدى إلى سحب السعودية والبحرين والإمارات لسفرائهم من قطر، قبل أن تتوسط الكويت لإعادة العلاقات من جديد .
ولم تقف حدود المنافسة بين الطرفين عند حدود الدول العربية، بل تجاوزتها إلى بعض الدول الإقليمية، كأفغانستان التي تشهد صراعاً محموماً بين الطرفين فالسعودية التي تدعم حكومة أشرف غني سعياً منها لتوسيع العلاقات على حساب العلاقات الافغانية الإيرانية، بينما تعمل قطر على إيجاد موطئ قدم لها من خلال فتح مكتب تمثيل لحركة طالبان الأفغانية، من أجل تحقيق نفوذ كبير لدى أمريكا، الأمر الذي ظهر جليا في دورها في تحرير الجندي الأمريكي الذي كان محتجزا لدى التنظيم، مقابل الإفراج عن 5 من عناصر حركة طالبان، كانوا محتجزين في جوانتانامو في ديسمبر 2014 .
وفي لبنان لا تخفي قطر رغبتها في لعب دور هام في دائرة النفوذ على الساحة السنية هناك، فعملت طوال الأعوام السابقة علي إيجاد موطئ قدم لها على هذه الساحة من خلال هيئة علماء المسلمين التي تتلقى الدعم القطري، كما انسحبت قطر من التفاوض في ملف العسكريين اللبنانيين، لتفسح المجال أمام هيئة علماء المسلمين للعب دور بارز ومنافس لتيار المستقبل المدعوم من السعودية .
وكان لتنازل الأب الشيخ حمد بن خليفة للحكم لابنه تميم، دلالة واضحة أرادت قطر من خلالها القول بأنها -خلافاً للسعودية- تتحلى بقيادات شابة وفاعلة، جاهزة للعب دور الوكيل والمعتمد لحفظ المصالح الأمريكية، وإن عملية نقل السلطة فيها تتم بشكل سلس وهادئ بعيداً عن صراعات الأسرة الحاكمة .
الموقف القطري الملغوم من العدوان السعودي على اليمن
أما في الشأن اليمني وتحديداً في العدوان الذي يشنه التحالف السعودي على اليمن، يرى مراقبون أن الموقف الذي أعلنته الدوحة بالمشاركة في هذا التحالف، ينطلي على كثير من التضليل، فهي تشارك علانية في "الدمع المرتعد" أو ما سمي بـ"عاصفة الحزم"، فيما تضمر توريط السعودية في مصيدة حرب لا قبل لها بها، ولا مجال لانتصارها فيها، بل ستخرج منها خاسرة ومنهكة القوى وعاجزة عن السيطرة والتحكم في باقي دول مجلس التعاون الخليجي الذي يلفظ الآن أنفاسه الأخيرة .
ويقول هؤلاء المراقبون، إن حكام قطر يراهنون على فشل "الدمع المرتعد" أو ما سمي بـ "عاصفة الحزم" في تحقيق اهدافها، ويعتبرون أن هذا الفشل من شأنه أن يشكل نكسة كبيرة للملك سلمان وكبار اركانه من الامراء الشبان في بداية عهدهم بعد غياب الملك الراحل عبدالله الذي كان يشكل مركز الثقل في جزيرة العرب كلها .
وفي سياق متصل، صرح الخبير الاستراتيجي أحمد عمر الأهدل أن قطر تدعم العدوان السعودي من أجل استنزاف قدراتها العسكرية والمادية لتحقق قطر أهدافها فيما بعد عبر قوة ضغط على السعودية بعد خروجها من حرب اليمن .
قطر ومخطط تقسيم السعودية
وتفيد بعض المصادر أن الأهداف القطرية تتجاوز موضوع إضعاف التأثير السعودي على دول الخليج، بل إن هناك مخططاً أمريكياً لتقسيم السعودية إلى دويلات، وضم القسم الشرقي من الأراضي السعودية إلى حكم أمراء آل ثاني. وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد كشفت أواخر العام 2013 عن خطة لتقسيم السعودية إلى خمسة أقاليم .
كما نقلت صحيفة المنار المقدسية في وقت سابق أن الأمير طلال بن عبدالعزيز انتقد بشدة سياسة حكام قطر وتنفيذهم لمخططات تصب في صالح الكيان الإسرائيلي ومساعدة لها في تمرير برامجها ضد الفلسطينيين والعرب، واعترف الأمير طلال بأن أبناء آل ثاني سيقومون في مرحلة لاحقة بمحاولات لتقسيم السعودية وحشر آل سعود في دويلة "مكة والمدينة"، واقتلاع جزء من المملكة على حدود الأردن لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. وأضافت الصحيفة بأن "أمريكا لن تبقي على وحدة أراضي المملكة، وأنها حولت قطر إلى مخلب في الجسد العربي، والخليجي بشكل خاص، وأن الفوضى قادمة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وهي تتفق في ذلك مع عدد من الأمراء في السعودية الذين أقاموا تحالفاً مع قادة قطر بتعليمات أمريكية ".
ويبدو أن بعض دول المنطقة قد استشعرت الخطر من مغبة الحرب التي تشنها السعودية على اليمن، حيث قال مصدر خاص في العاصمة السعودية إن الملك سلمان بن عبدالعزيز قد تسلم الاسبوع الماضي رسالة عاجلة من سلطان عمان قابوس بن سعيد نصحه فيها بوقف الحرب ضد اليمن ووصفها أنها فخ أمريكي واضح المعالم يستهدف المنطقة .
وأوضح المصدر ان هذه النصيحة أيدت ما قاله الوليد بن طلال الذي أكد لعائلة آل سعود بأن الضوء الأخضر الأمريكي لضرب اليمن هو ”فخ” خطير نصب للمملكة بهدف إضعافها وتقسيمها .
من جهة أخرى حذر أول أمس، نائب وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان من أن أعداء المنطقة يحاولون تقسيم وإضعاف السعودية وان الاعتداء على اليمن وتبعاته، نقطة بداية لهذه الخطة المشؤومة .
هل تصل قطر إلى أهدافها
لا يبدو أن الأهداف القطرية بعيدة المنال، فوفقاً لآخر المستجدات في ملف الحرب على اليمن، فشلت السعودية في إقناع باكستان للمشاركة في الحرب البرية على اليمن وقد صوت البرلمان الباكستاني بالوقوف على الحياد في الأزمة اليمنية، فيما أعلنت تركيا تطابق وجهات نظرها مع طهران داعية إلى حل سلمي في اليمن، كما أن مصر لا تبدو متحمسة للمشاركة في الحرب البرية على اليمن، لانشغالها في ملفاتها الداخلية، وللتجربة المريرة التي عاشتها أيام التدخل المصري في الصراع اليمني في عام 1962 .
ويبدو أن المزاج العام للدول المشاركة في العدوان على اليمن قد بدأ بالتغير، حيث أعلن مؤخراً الملك الأردني عبدالله الثاني بأنه لا بديل للحل السياسي للأزمة اليمنية .
ومن ناحية أخرى لا يمكن للهجمات الجوية وحدها أن تحسم المعركة، فالرهان على الضربات الجوية لا يمكنه تغيير أنظمة سياسية، فضلاً عن أن حدود اليمن مفتوحة براً وبحراً وتكلفة حصارها مكلفة للغاية. واليمنيون يدركون جيداً أن بلدهم بالأصل فقير وبنيته التحتية محدودة وليس فيه أهداف عسكرية تستحق عناء القصف، فحتى معظم المعسكرات مبنية من الصفيح، وبالتالي فإن بنك أهداف العدوان ستنتهي لا محالة، وبعدها سوف تقف السعودية تلوك مرارة فشلها دون أن تحصد أي ثمرة. عندها سيكون خيار السعودية الوحيد هو الاستسلام ودفع فاتورة الحرب والتعويض .
أما فرضية تدخل السعودية براً، فيعتبر نوعاً من الانتحار العسكري، فالشعب اليمني يحفظ كهوف جبال بلاده ووديانها وأنفاقها وأدق تفاصيلها، ولديهم قدرات فائقة جداً على خوض حرب استنزاف طويلة الأمد، وتحقيق اختراقات عسكرية في العمق السعودي كما فعلوا قبل سنوات .
وهنا تتجه الأنظار إلى القرار السعودي خلال الأيام المقبلة، فهل ستمضي في مغامراتها حتى النفس الأخير، أم أنها ستراجع حساباتها قبل فوات الأوان، وتعمل على لملمة ما يمكن من النتائج، لتتجنب مصيراً كارثياً لا تحمد عقباه .