الوقت- تسير الأزمة السورية في مسارٍ يُرسِّخ انتصار محور المقاومة وروسيا. في حين تتخبَّط أمريكا وحلفاؤها في خياراتٍ بعيداً عن أيّ دور. حيث أن ما يجري اليوم على الصعيد السياسي في المنطقة وتحديداً سوريا يقع ضمن خانة تحصيل نتائج الأوراق الميدانية التي كسبتها الأطراف. وهو ما فشلت أمريكا وحلفاؤها من تحقيقه. وهنا يظهر الطرف التركي الغامض في خياراته الواضح في براغماتيته، ليُطالب بالحضور الأمريكي في محادثات الأستانة. الأمر الذي أعاد النقاش حول خيارات تركيا، وبقائها في موقع التناقض مع الذات، حيث تظهر حيناً حليفةً لموسكو، وتدافع حيناً عن الطرف الأمريكي. في حين يجب القول أن تركيا باتت تطمع بدورٍ أكبر مما تستحقه خصوصاً أنها لم تكن يوماً طرفاً مُساعداً في الحل السوري. فماذا في إصرار تركيا على حضور واشنطن في محادثات الأستانة؟ ولماذا تسعى أنقرة لذلك؟
تركيا والإصرار على حضور واشنطن
أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريح له الى ضرورة حضور واشنطن في محادثات السلام المتعلقة بالأزمة السورية والمُرتقب عقدها في الأستانة نهاية الشهر الحالي. وهو الأمر الذي ادعى أوغلو موافقة روسيا عليه. من جهتها رفضت الرئاسة الروسية رداً على تصريحات أوغلو، التعليق على احتمال مشاركة أمريكا في المؤتمر. وقال المُتحدث باسم الكرملين "دميتري بيسكوف" في معرض الرد على سؤال حول أنباءٍ عن توافق موسكو وأنقرة على دعوة واشنطن لحضور المؤتمر، أنه لا يستطيع قول أي شيء حول ذلك الآن، الأمر الذي اعتبره الكثيرون رفضاً روسيا للمشاركة الأمريكية.
الإصرار التركي: تحليل ودلالات
عدة دلالات يمكن الوقوف عندها، تتعلق بالإصرار التركي، وهي على الشكل التالي:
أولاً: تسعى تركيا لإضافة ثقل سياسي لها عبر تأمين الحضور الأمريكي لعلَّها تُحقق من خلال المحادثات ما لم تستطع تحقيقه في الميدان العسكري. فمن الواضح أن أنقرة لا تشعر بدورٍ كبيرٍ لها خصوصاً مع افتقادها للأوراق التفاوضية، نتيجة خسارتها لمعظم رهاناتها في سوريا.
ثانياً: تسعى تركيا للتخفيف من الفجوة الكبيرة في العلاقات بينها وبين أمريكا، خصوصاً مع وصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب والذي يبدو أنه سيسلك مساراً سياسياً مختلفاً عن سلفه أوباما. الأمر الذي يجعل تركيا تسعى لفتح فجوة في مسار العلاقات المتأزمة بين ازمة الطرفين عبر دعم الحضور الأمريكي في المحادثات.
ثالثاً: أثبتت تركيا أنها تستخدم نفس أسلوب الغرب وواشنطن في المفاوضات. وهي ليست بعيدة عن أسلوب المراوغة الذي يستخدمه الغرب وأمريكا. وهو ما يجعلها في موقع وكأنها تمثل الخيار الأمريكي في المحادثات.
رابعاً: بناءاً لما تقدم، يبدو أن أنقرة اختارت لنفسها الظهور بموقع المخالف لإيران وروسيا فيما يخص الحل السوري. وهو ما يهدف لتوجيه رسالة لكل الأطراف المخالفة للنظام السوري وتحديداً المُعارضة لبقاء الرئيس بشار الأسد. ساعيةً من خلال ذلك لجعل نفسها الطرف المُمثل لهم وإعادتهم الى كنفها في ظل الخلافات الكبيرة بينهم.
خامساً: بالإضافة الى ذلك، تتعاطى تركيا مع الحل في سوريا على قاعدة الربح والخسارة. وهي بالتالي تُثبت أنها لم تكن في الصف الداعم للحل السياسي وليست بصدد السعي الجدي لذلك. وهو الأمر الذي يمكن ربطه بمسألة القيام بقطع المياه عن مدينة دمشق وما يمكن أن ينتج عن ذلك في محاولة لزيادة أوراق المراوغة والتفاوض الميدانية.
عدة مسائل يجب الإشارة لها نعرضها بالتالي:
أولاً: لا بد من اتخاذ تركيا خياراتٍ واضحة تجاه الملف السوري. خصوصاً أن مواقفها المتناقضة تدل على عدم رغبتها في إيجاد حلٍ للأزمة السورية وهو ما يتقاطع اليوم مع السعي الغربي لإبقاء الأزمة والتوجه نحو إدارتها مع البقاء على هدف محاربة الإرهاب.
ثانياً: لا بد من القول أن الدور الذي أُعطي لتركيا فيما يخص الأزمة السورية، لم يكن إلا لأسباب تتعلق بموقعها الجيوسياسي وقدرتها على ضبط بعض الجماعات الإرهابية، بهدف الوصول الى صيغة لإيجاد حل واقعي للأزمة السورية. وهو ما يفرض على الطرف التركي ضرورة التعاطي بتواضع وليس فرض الخيارات خصوصاً أنه لم يُحقق أي نتائج ميدانية.
ثالثاً: إن أساس الإنجاز العسكري في سوريا يعود لمحور المقاومة وروسيا. وهو ما يتطلب من هذه الأطراف العمل على ترجمة هذا الإنجاز على الصعيد السياسي بشكل يحفظ لكل طرف حجم انتصاراته. الأمر الذي لا يتماشى مع مشاركة أمريكا التي خسرت وحلفاءها أوراقها كافة. فيما يُنتظر الموقف الروسي تجاه ذلك.
إذن ما تزال الأزمة السورية أساس قوة الأطراف في المنطقة. الأزمة التي يبدو واضحاً أنها ستُحدد مستقبل الأطراف كافة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ومن هذا المنطلق، تسعى أمريكا للعودة وعبر الإطار الدبلوماسي، بعد أن فشلت على الصعيدين العسكري والسياسي. في حين يبدو واضحاً أن تركيا تلعب على حبال الأزمة السورية منادية بالحضور الأمريكي. فهل تُعبِّر تركيا بذلك عن براغماتيتها؟ أم أنها تسعى لمآرب أخرى؟ وحدها الأيام تُجيب.