الوقت- مرّة أخرى يُثبت النظام البحريني، وبالدليل القاطع، عدم معرفته بشعبه الصابر الذي يستحق لقب "أيوب الشعوب"، وبالتالي عدم أهليته للبقاء في الحكم. مرّة أخرى يثبت هذا النظام عجزه، فبعد سنوات من المراهنة الخاسرة على تعب هذا الشعب، ها هو النظام البحريني يثبت عجزه مجدّداً في عسكرة الثورة عبر جريمة نكراء تعدّ نقطة تحوّل بارزة في الثورة السلمية.
لم تكن خطوة النظام بالأمس المتمثّلة بإعدام الشبان عباس السميع وسامي مشيمع وعلي السنكيس، محسوبة الأبعاد والنتائج. يعتقد النظام البحريني أنّه يعي جيّداً ما يفعل، إلاّ أنّه لا يعي طاقة تحمّل هذا الشعب، وهذه هي نقطة المقتل للنظام.
لقد دأب النظام البحريني منذ اندلاع "ثورة 14 فبراير" السلمية على عسكرة المظاهرات و الأحداث، لإسقاط شرعيتها الشعبية، إلا أن صبر هذا الشعب، وحكمة قيادة الثورة حالت دون ذلك.
حاول النظام البحريني من خلال حملات الإعتقال التعسفيّة، ولاحقاً اعتقال العلماء وفي مقدّمتهم الشيخ على السلمان، ومحاولة التهجّم على منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم وصولاً إلى حادثة الأمس، تجريد هذه الثورة من سلميتها، وبالفعل مع كل تصعيد للنظام يعود الجدل حول جدوى سلميّة الحراك المستمر منذ 2011 إلى واجهة المشهد، ليقطعها كلام قيادة الثورة: السلميّة أوّلاً وآخراً.
أسئلة عدّة تطرح نفسها اليوم، لاسيّما في ظل غياب الشفافية في سير المحاكمة غير العادلة، وهو الأمر الذي أجمعت عليه الأوساط الدولية والحقوقية وكل المنظمات الشعبية في أرجاء العالم، إلا أن أبرز هذه الأسئلة: متى يفقد الشعب البحريني صبره؟
رغم أن الشعب البحريني هو "أيوب الشعوب" حيث يحاول النظام استغلال صبر وتسامح هذا الشعب، إلا أن لصبره حدود، ولكن ما حصل بالأمس شكّل نقطة تحوّل تؤسس لمرحلة جديدة في هذه الثورة السلمية، وهنا لا بد من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: لم يعد يختلف اثنان على أن ما يجري في البحرين بأنه "بالغ الخطورة"، إلاّ أن ما ما جرى ويجري لن يزيدنا إلا صموداً وإصراراً على الاستمرار في التمسك بالمطالب الشرعية العادلة"، وفق جميعة الوفاق التي يقبع أمينها العام علي سلمان في السجن. عائلة الشهيد عباس السميع أكّدتان دماء ابنها سوف تشق طريق البحرينيين نحو الحرية والعدالة، وهذا ما سيحصل، هذه هي سنن التاريخ.
ثانياً: كما في كافّة ثورات العالم، هناك نقاط تحوّل تترك أثراً بارزاً في مسير الثورات. أحداث الأمس أعطت زمام الأمور إلى المعارضة التي أعلنت النفير العام والحداد لمدّة أسبوع إحدى هذه النقاط التي ستنقل الثورة من مرحلة إلى أخرى ولكن ضمن إطارها السلمي العام.
ثالثاً: لا ريب في أن الانجرار نحو الفلتان هو مسعى بحريني سعودي لإشعال الميدان عبر عملية الإعدام التي تعدّ الأولى في البحرين منذ عام 2010، وأول عملية إعدام لبحرينيين منذ عام 1996، وهذا ما لم يتحقّق حتى الساعة. نعم هناك العديد من التيارات قد ملّت من الحراك السلمي، وباتت ترى فيه خياراً لا يتوافق ومقتضيات المرحلة، هناك من أكّد أن كل الخيارات باتت مفتوحة، وهناك من تحدّث عن إمكانية"المواجهة المباشرة" مع قوى النظام وحلفائها، ومنهم "ائتلاف شباب 14 فبراير" الذي تغيّرت لهجته عمّا في السابق وجاء فيه بيانه الأخير "إنّ الشعب لن يهدأ له بال، بل سيزلزل الأرض تحت أقدام الخليفيّين والمحتلّين السعوديّين، وسيكون على قدر المسؤوليّة الشرعيّة والوطنيّة في اتخاذ المواقف وستكون ردود الأفعال المدروسة هذه المرّة"، إلا أن الجميع لا يزال ملتزم بالصبغة السلميّة للحراك، تنفيذاً لقرار قيادة الثورة.
رابعاً: لقد أثبت سلاح "السلمية" فعاليته التي تجاوزت كل حدود الخيارات والأسلحة البديلة، وبالتالي لا ريب أن هذا الشغب لن يغادر هذه الخيار في المواجهة مهما علا سقف التحدّيات، لاسيّما في ظل وجود الشيخ عيسى قاسم، صمّام الأمان للثورة البحرينية. وقد بدا واضحاً هذه الخيار في البيان الصادر بالأمس عن هيئة علماء البحرين التي دعت الشعب إلى استنفار جميع الوسائل المشروعة في تصعيد الغضب العام بما يليق بخطورة حرمة الدم المسفوح بغير حق عند الله عزّ وجلّ.
خامساً: نعتقد أنه لطالما كان الشعب البحريني قادر على المحافظة على وحدة بلده سيبقى صابراً، إلا أن ممارسات النظام القمعية التي تسعى لحشر هذا الشعب في الزاوية عبر تعطيل كافّة الحلول السياسيّة قد تتعدّى السقف العام لهذا الصبر. هذا السقف كاد النظام أن يتخطّاه قبل أيام عبر محاولة الهجوم على منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم. وباعتبار أن خطوة عسكرة الثورة قد فشلت بالأمس، فقد يلجأ النظام مجدّداً إلى خطوة الهجوم على منزل الشيخ عيسى قاسم، عندها لن يترك النظام البحريني لشعبه سوى خيار ما بعد السلميّة.
15 يناير "عيداً للشهداء"
حرصاً على تكريس هذا اليوم كمحطّةً وطنيّة جامعة، ووصمة عار في جبين النظام، ندعوا قيادة الثورة في البحرين إلى أن تعلن يوم 15 يناير "عيداً للشهداء" في ثورة البحرين المجيدة، إضافةً إلى عيد الشهداء الأكبر في 17 ديسمبر.. إنّه شهر الشهادة.
في الخلاصة، إن أفعال النظام تؤكد أن الثورة البحرينية قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، كما أن أساليب السلطة البحرينية لن تُجديها نفعا ولن تُؤجّل نهايتها المحتومة، فالمعركة اليوم باتت مع من يدعم هذا النظام، فالأخير دميّة لا أكثر ولا أقلّ.