الوقت - تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده من مدينة "تل أبيب" إلى القدس المحتلة، خلال حملته الإنتخابية لرئاسة أمريكا، كما فعل أسلافه الذين سبقوه قبل أن يتراجعوا عن ذلك بعد دخولهم البيت الأبيض. وفيما يبدو اليوم أن الرئيس الجديد أكثر جديةً من غيره، برزت مواقف مُنددة على الصعيدين العربي والفلسطيني يمكن اعتبارها خجولة كونها خرجت لتتحدث بمنطق تعارض التوجه الأمريكي مع عملية السلام. وهو الأمر الذي يُعيد النقاش في خيار الفلسطينيين الذي يختلف شعبياً عن خيارات وتوجهات بعض القيادات السياسية. حيث بات الشعب الفلسطيني اليوم أكثر قناعة بأن خيار المقاومة هو خياره الوحيد لإسترجاع حقوقه الفلسطينية. فماذا في المواقف الفلسطينية الشاجبة؟ وكيف يُعتبر التوجه الأمريكي مُخالفاً للقوانين الدولية؟ وما هي الأسباب التي قد تدفع ترامب لترجمة التوجه على أرض الواقع؟ وما هي دلالات ذلك؟
الموقف الفلسطيني: إدانة وشجب
أكدت المواقف الفلسطينية رفضها للتوجه الأمريكي. فيما برزت المواقف التالية:
- الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكد في تصريح له حول الموضوع، أن إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على موقفه، ستكون له آثار مدمرة على أمن واستقرار المنطقة. وبعث بدوره رسالة الى ترامب ورسائل أخرى إلى رؤساء الصين وروسيا وفرنسا، المستشارة الألمانية، رئيسة وزراء بريطانيا، الإتحاد الأوروبي، الإتحاد الإفريقي، منظمة التعاون الإسلامي، رئاسة دول عدم الإنحياز وأمين عام الجامعة العربية، دعاهم فيها إلى التدخل لمنع نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس.
- أمين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أكد في حديثه إلى التلفزيون الرسمي الفلسطيني، أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يعني اعتراف أمريكا بضم القدس وشرعنة الإستيطان وهو ما سيقود المنطقة إلى مرحلة جديدة. مُحذراً من قيام منظمة التحرير بتعليق أو سحب الإعتراف بالكيان الإسرائيلي على حد تعبيره.
- الهيئة الإسلامية العليا في مدينة القدس المحتلة اعتبرت في بيانٍ لها أن تنفيذ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وعده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، سيكون بمثابة إعلان حرب على الفلسطينيين، والعرب والمسلمين. معتبرةً أن حصول ذلك يعني وقوع واشنطن في تناقض واضح مع الموقف الدولي الذي يعتبر أن مدينة القدس لا تزال محتلة.
نقل السفارة الى القدس: مخالفة للقوانين الدولية
من الناحية القانونية يمكن قول التالي:
أولاً: بحسب القوانين الدولية، يُعتبر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس اعترافاً عملياً بوضع مدينة القدس تحت السلطة الإسرائيلية، وهو ما يخالف قرارات مجلس الأمن وفتوى محكمة لاهاي. كما يُخالف القرار القانون الدولي رقم ٤٧٨ الصادر عام ١٩٨٠، والذي نص على أن تقوم الدول التي لديها بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب هذه البعثات من المدينة.
ثانياً: إن كافة القوانين تضمَّنت اعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية أراضٍ محتلة، وبموجب القانون الدولي فإنه لا يُسمح بنقل سيادة معينة على إقليم محتل، وخاصة أن وجود هذا المحتل مؤقت، بحسب ما يُشير خبراء.
الأسباب التي قد تدفع ترامب لهكذا خطوة
يأتي السؤال حول الأسباب التي قد تدفع دونالد ترامب لمثل هذا التوجه، ليُحدِّد الخلل في الدفاع عن الحق الفلسطيني. وهو ما يمكن تبيينه عبر التالي:
أولاً: يسعى الرئيس الأمريكي الجديد لإيجاد توجه أمريكي يختلف عن توجه الإدارة الديمقراطية السابقة لناحية التعاطي مع الطرف الإسرائيلي. وهو ما برهنه ترامب عبر اعتراضه على قرار إدانة الإستيطان منذ فترة. فيما يُعرف ترامب بُكرهه للعرب والمسلمين ومحبته للكيان الإسرائيلي وعلاقته المُميزة مع رئيس وزراء الكيان نتنياهو.
ثانياً: وهو ما يُعتبر أكثر أهمية، ويتعلق بأن القضية الفلسطينية أصبحت أقل مركزية على صعيد إهتمام الأنظمة العربية والتي ذهب أغلبها للجلوس مع الصهاينة ونسج العلاقات المشتركة. وهو الأمر الذي أفرغ القضية الفلسطينية من قوة الردع تجاه الطرف الأمريكي والأطراف الدولية التي كانت تسعى لإيجاد مسوغات قانونية أو أخلاقية لدعم تل أبيب. فيما لا تزال أمريكا تستخدم نفس اتجاهها التاريخي فيما يخص القضية الفلسطينية منذ 1967.
بناءاً لما تقدم: تحليل ودلالات
عدة أمور يمكن الوصول لها بناءاً لما تقدم وهي على الشكل التالي:
أولاً: إن جميع مرشّحي الرئاسة الأمريكية وعدوا بنقل السفارة إلى القدس، وهو ما يجعل توجه ترامب ضمن المسار الداعم للإستراتيجية الأمريكية الهادفة للدفاع عن مصالح الكيان الإسرائيلي ولو على حساب شعوب المنطقة. في حين كان هؤلاء الرؤساء يتراجعون مع وصولهم لكرسي الرئاسة لأسباب تتعلق بعدم تأجيج الصراع بشكل قد يضر بالمصالح الأمريكية، بهدف إبقاء ودعم عملية السلام على الطريقة الأمريكية.
ثانياً: إن التوجه الأمريكي للرئيس ترامب، يدل على حجم الزيف والنفاق السياسي لأمريكا تجاه القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد أن أدان مجلس الأمن التوسع الإستيطاني ودعمت واشنطن ذلك. فيما تبيَّن اليوم أن أمريكا كانت تقوم بمناورة بعيدة كل البعد عن حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني.
ثالثاً: يتناقض التوجه الأمريكي مع مساعي واشنطن لتفعيل عملية السلام بين الطرفين الإسرائيلي والأمريكي. في حين يبدو واضحاً من خلال هذا التوجه أن الطرف الأمريكي يدعم الكيان الإسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. وهو ما يجب أن يلتفت له أصحاب الآراء الداعمة لعملية السلام على الصعد الفلسطينية والعربية والدولية.
رابعاً: إن عمليات الشجب والإدانة لا تكفي. بل إن المطلوب هو التحرك دولياً وحشد المواقف الإقليمية عربياً والمحلية فلسطينياً لمنع حصول ذلك، واعتبار توجهات واشنطن دليلاً على الحاجة للإستمرار في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي.
إذن يوماً بعد يوم يزداد الشعب الفلسطيني بأولوية خيار المقاومة لإعادة الحقوق المسلوبة. خصوصاً أن المنظمات الدولية والأنظمة العربية لا تملك أكثر من التنديد المُتحيِّز للكيان الإسرائيلي دائماً. فيما يبدو واضحاً أن توجه واشنطن لنقل السفارة الأمريكية الى القدس، ليس إلا محاولة لتكريس الإتجاه التاريخي لأمريكا تجاه القضية الفلسطينية.