الوقت- لم تمنع الانتقادات التي وجّهها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لطهران الشهر الماضي إثر تشكيل التحالف "العشري" بقياد السعودية تحت مسمى "عاصفة الحزم" لضرب اليمن، واتهامها بـ “الهيمنة” ودعم الارهاب في المنطقة وكذلك مطالبتها بسحب مجموعاتها “الارهابية” من اليمن، من إنجاز زيارته إلى العاصمة الإيرانية في توقيت حرج للغاية.
أردوغان الذي تجاهل الهجمة الإعلامية الشرسة ومطالبة عدد من النواب الإيرانيين إلغاء زيارته إلى البلاد إثر تصريحاته غير المسبوقة، واعتباره أن سياسة ايران "تجاوزت كل حدود الصبر"، وأنجز زيارته الثانية في غضون عامين والأولى كرئيس لتركيا، يدرك جيداً أن هذه الزيارة تأتي وسط حالة من الصراع الطائفي والاقليمي تسود منطقة الشرق الاوسط، وبعد تطورات إقليمية مصيرية ترسم مستقبل المنطقة، ما يطرح العديد من التساؤلات حول الإصرار على الزيارة، فما هي أهداف أردوغان من زيارته الإستراتيجية إلى طهران؟
للإجابة على هذا السؤال ومتعلقاته، وكذلك معرفة أي موقف على الصعيد الخارجي للرئيس التركي، يجب الالتفات إلى أن أردوغان "براغماتي" بامتياز، ويدرك ضرورة الفصل بين الاقتصاد والسياسة اذا ما لزم الأمر ذلك.
تأتي زيارة أردوغان بعد أيام من البيان المشترك بين ايران والدول الست حول البرنامج النووي الإيراني، وهو ما دفع بالمحللين إلى اعتبار الرئيس التركي يتجه نحو تعزيز العلاقات مع طهران لتحقيق فوائد أكبر عند رفع الحصار عن الجمهورية الاسلامية الايرانية. كذلك تأتي الزيارة بعد ساعات على لقاء ثنائي جمع ولي ولي العهد وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز بأردوغان في أنقرة.
ربّما حمل الامير محمد بن نايف في جعبته عروضاً مغرية للرئيس التركي اقتصاديا وسياسيا، وأراد تكرار سيناريو الرئيس السوداني "عمر البشير" بقطع العلاقة مع طهران وهذا ما نرجحه، ولعل ابن نايف طلب من أردوغان أن يلعب دور الوسيط وحمامة السلام في الأزمة اليمنية بعد فشل العدوان السعودي وهذا ما نستبعده لأن سياسة السعودية وبخلاف السياسة الأردوغانية تحكمها الانفعالية وليس البرغماتية.
الخلاف السياسي الإيراني التركي في مقاربة أزمات الشرق الأوسط ومؤخراً في الأزمة اليمنية إثر دعم أردوغان لعملية "عاصفة الحزم" ، لم يمنع الطرفين من تعزيز تعاونهما التجاري الذي ناهز الـ18مليار دولار وهناك مساعي لإيصاله لـ30 مليار، وهذا ما أكده بالأمس يحيى أكمان النائب في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية الحاكم حينما اعتبر أن " ايران وتركيا دولتان قويتان واذا ما اتفقتا سوف تجدان سبيلاً لحل مشاكل المنطقة، نحن بحاجة إلى الدعم الاستراتيجي من ايران في المجال الاقتصادي والغاز الطبيعي والبترول، وهم بحاجة الى المنتجات التركية والسياحة".
بالعودة إلى زيارة أردوغان الذي أدرك أن رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران قريباً (أواخر حزيران حسب الموعد المقرر بمقتضى تفاهم لوزان)، يسعى الرئيس التركي الذي اصطحب في جميع زياراته الرسمية وفداً من رجال الاعمال يزيد تعداده عن مئة شخص الى جانب الوزراء المتخصصين في الاقتصاد والتجارة الخارجية، يسعى إلى حجز مقاعد جديدة لشركات بلاده لأن الدولة المضيفة ستتحول إلى سوق كبير ومصدّر أكبر للنفط والغاز في الفترة المقبلة. الزيارة وإن حملت في طياتها العديد من الملفات السياسية وتوزعت على ملفات أربع هي: "الطاقة، الأزمة اليمنية، العراق، سوريا"، لا يمكن تجاهل عنوانها الاقتصادي خشية أن يتأثر الاقتصاد التركي بعد رفع العقوبات الغربية عن إيران.
لا يزال أردوغان ممسكا للعصا الإيرانية السعودية من الوسط معتمداً مقولة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، ومهما كانت عروض ابن نايف لتركيا، لن تنجح السعودية في الحدّ من العلاقة بين أنقرة وطهران، لأن أردوغان "البراغماتي" الذي يُسجل له أنه يضع مصلحة بلاده فوق كل الاعتبارات الاخرى حسب تقديره، يدرك جيداً أن أهمية العلاقة الوثيقة مع إيران "ما فوق إستراتيجية" لبلاده.