الوقت- صحيح ان القوى الكبرى توصلت الى اتفاق تاريخي مع ايران بشأن برنامجها النووي إلا ان العمل لم ينته بعد بهذا الملف. الدول الخمس دائمة العضوية ومعها المانيا والاتحاد الاوروبي خاضوا معركة طويلة وشاقة دون كلل او ملل للتوصل الى افق اطاري، كما ان الاتفاق الاخير يعد لبنة في مسيرة بدأها الجانبان لإزالة التوترات التي شابت العلاقات بينهما منذ اندلاع الثورة الايرانية عام 1979 وحتى الان ، وبعد ان وقفت ايران مع دول المقاومة ودعمتها وهذا سبب قلق للكيان الاسرائيلي، وقد وقفت طهران دائما ضد الارهاب بكافة الوانه وصنوفه ورفضت وأدانت ممارسات داعش ودعت العالم الى العمل من اجل مكافحة التطرف والتكفير بكافة اشكاله .
الاتفاق لم يكن مثالياً ولم تزل جميع الشكوك والتخوفات سارية لكنها جعلت عالمنا اكثر امناً . لانها أغلقت باب التدخل والحروب في المنطقة بهذه الحجج الواهية . لقد تم خلق إنجاز كبير من خلال المباحثات الطويلة والمارثونية والتي امتدت لسنوات مضت وخلقت ملامح خطوات ايجابية مستقبلية تهم المجتمع العالمي وتساعد في تغيير الاوضاع وتشكيل معادلات جديدة .
ان التقارب بين ايران وبين دول مجموعة 1+5 سيمكّن طهران من ان تلعب دوراً اكبر في حل "عدد من المشكلات والنزاعات التي تشهدها المنطقة، ويشكل دليلاً دامغاً على ان الجهود السياسية والدبلوماسية تصلح لحل المشكلات والازمات الاكثر تعقيداً " . كما ويثير ردود افعال مختلفة للعديد من الدول ومن المتوقع حدوث شرخة في الكونغرس الامريكي وكل ينظر اليه بمنظاره الخاص .
ورغم الانقسام في الرؤى إلا انه مرحب به من قبل اكثر الدول وخاصة المحبة للسلام لانه نقطة انعطافية ايجابية . المتخوف والمرحب من التفاهمات الحاصلة الجديدة هناك رابط واحد بينهم وهو الوصول الى نتائج يتم في ظلها تحقيق الهدوء للمنطقة على المستوى القادم القريب على اقل تقدير. الدول التي ترحب بالاتفاق الاولي هي تلك التي تربطها روابط مشتركة وعلاقة سياسية واقتصادية جيدة مع ايران وتتفهم مواقفها وتعتمد على النفط بصورة كبيرة في روابطها، حيث ترى ان التقدم في الملف النووي يساهم في ترسيخ الامن والاستقرار للمنطقة، باعتبار ان الجمهورية الاسلامية الايرانية دولة كبيرة ومهمة يجب ان يكون لها دور سيادي في تحقيق التوازن لاسيما وانها أثبتت قدرتها علي العمل بإيجابية متناهية مع ملف مكافحة الارهاب، رغم التهم الجزاف التي وجهت لها. وقدمت وتقدم الدعم والمساعدات المؤثرة وساهمت في دحر الارهاب وأفشلت المخططات الارهابية التدميرية وقطعت دابر اوصالها في تنفيذ مؤامرة تقسيم المنطقة وفي وئدها .
وقد شاهدنا كلما كانت المباحثات تصل الى خطوات ايجابية شهدنا بالمقابل ردود افعال سلبية للبعض وفي مقدمتهم الكيان الاسرائيلي وبعض دول الخليج الفارسي ( ذات النظرة الطائفية )، وعملت بكل جد من اجل إفشال المباحثات وإيصالها الى نقاط سوداء مبهمة مادياً ومعنوياً. وهناك ايضاً دول مستفيدة من التوتر في العلاقات بين ايران والدول الغربية وكانت تدافع عن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وبسلبية غير مبررة، كخطر على مصالحها السياسية والاقتصادية وجعلتها حجة لتمرير اهدافها. وبذلك دعمت العصابات الارهابية وقدمت للمتطرفين كل ما من شأنه تنشيطها وازرها والبعض الاخر فتح ابواب الحدود على مصراعيه لها لتكون ورقة ضغط حين الطلب كما عملت في سوريا، وأحدثت من الدمار والخراب الذي لا يحمد عقباها، وبعدها امتدت الى العراق حيث احتلت وخربت وعاثت في الارض فساداً ، مما دفع طهران للدفاع عن نفسها بعد اقتراب الشر من حدودها وسارعت لمساعدة حلفائها في المنطقة للقضاء على هذه العصابات وإيقاف توسعها ومن يقف معها، والتي تعمل على تغيير الخارطة السياسية والجغرافية في الشرق الاوسط .
والذي يستوجب الاشارة اليه ان هذه الاطر التي تم الوصول اليها لها تأثير مباشر في حل الازمة اذا ما التزمت به الاطراف كافة، وستجنب المنطقة في ان تكون ساحة للقتال والصراعات بين الغرب ودولها المتحررة وعواقبها وخيمة تشعل ناراً لا يمكن إخمادها بسهولة، والتي تسعى بعض الجهات من اجل تحقيق ذلك . والحقيقة ان ايران بحكم موقعها الجغرافي ، لها دورها الكبير في استقرار وامن المنطقة وعملت بكل حكمة في إنجاح المفاوضات وإيصالها إلي بر الامان لما فيه إحقاق حقوقها كدولة نامية لها تأثيرها المباشر وثقلها السياسي والاقتصادي وأثبتت وجودها في الساحة .
وقد ثارت ثائرة الكيان الاسرائيلي وعلى لسان رئيس وزرائه نتنياهو في رفض اتفاق الاطار المبرم. حيث قال في بيان له " الاتفاق يهدد وجود اسرائيل، إضافة إلي انه يجب ان يتضمن اي اتفاق نهائي مع ايران اعترافاً بوجود هذا الكيان". ولاعتقاده ان امن هذا الكيان لا يتحقق إلا من خلال إيقاف تقدم ايران وتدميره وأن الاتفاق يشكل صفعة قاسية له، ما يترجمه خروجه بعاصفة من الانتقادات ضد الاتفاق، ليقول بشكل صريح ووقح إن الاتفاق سيء لتضمنه رفع العقوبات عن طهران مع احتفاظها بمنشآتها النووية مما يمهد الطريق امامها لتطوير اسلحة نووية خلال اشهر فقط .
وفعلاً ان الدور التحريضي وتصعيد لغة التهديد الذي يقوم به نتنياهو عن طريق التحركات السريعة المتتالية وزياراته المكوكية وخطاباته النارية واخرها في الكونغرس الامريكي، والذي أثار حتى الرئيس الامريكي اوباما، يؤيد خوف هذا الكيان اللقيط من التقدم الحاصل في المفاوضات بين اطرافها في لوزان، والذي هزّ قادة تل ابيب. ولم تغب عن علم الدول الغربية التي باركت كل خطوات المفاوضات وبالتالي النجاح الذي تحقق بعد ان بانت لها الحقيقة في نوايا ايران السلمية واعترفت بمكانة ايران ودورها الريادي المؤثر في المنطقة، وبأن الدبلوماسية هي الخيار الافضل للتعامل مع المشاكل وعلى لسان الرئيس الامريكي .