الوقت – بعد حدوث الصحوة الاسلامية في المنطقة العربية وظهور الجماعات الإرهابية في سوريا سعت قوى إقليمية ودولية الى إسقاط النظام السوري عبر دعم هذه الجماعات إنتقاما من دمشق بسبب دورها الهام في محور المقاومة والممانعة لكن هذه القوى أصيبت بالخيبة بسبب صمود سوريا وقد رأينا مؤخرا كيف تم تحرير مدينة حلب (العاصمة الاقتصادية لسوريا) بعد 3 سنوات من احتلالها من قبل الإرهابيين، فما هي أهمية هذا الحدث وماهي تبعاته؟
أهمية حلب
1- المكانة الإقتصادية: حلب هي اكبر محافظة سورية من حيث المساحة وفيها أقليات كثيرة استغل الإرهابيون وجودها لايجاد شرخ بين الشعب والجيش.
2- المكانة الجيوستراتيجية وإصطفاف القوى في حلب: تحاذي محافظة حلب الحدود السورية كما ان حدودها الشرقية قريبة من مواقع انتشار تنظيم داعش الارهابي فلذلك تعتبر سيطرة أي طرف عليها (الحكومة أو الجيش الحر أو التكفيريين) بمثابة الإنتصار النهائي له.
3- الموقع العسكري: توجد في حلب منشآت عسكرية مثل مطار تفتناز العسكري وقاعدة الجراح الجوية ومطار كويرس العسكري بالاضافة الى وجود صناعات عسكرية وكليات عسكرية بالمحافظة.
4- المكانة الجيوسياسية: تحاذي حلب من الشمال تركيا ومن غرب ادلب التي تسيطر عليها جبهة النصرة الإرهابية ومن الشرق المناطق الكردية ومن الجنوب دمشق وحماه وحمص وهذه المكانة الجيوسياسية وفرت الإمكانية لحماة الارهابيين بدعمهم هناك.
أهمية حلب بالنسبة للمسلحين:
لو وقعت حلب بشكل كامل تحت سيطرة الإرهابيين لتحولت الى أكبر معقل للإرهابيين والمعارضين للزحف على دمشق على غرار مدينة سرت في ليبيا، واذا تم احتلال حلب التي تبعد 60 الى 70 كيلومترا عن الحدود التركية لتم اعلان منطقة حظر الطيران في تكرار للسيناريو الليبي. ان الاستيلاء الكامل على حلب كان ايضا يمنح المعارضة امكانية لتشكيل حكومة مركزية كمقدمة لتقسيم سوريا واعتراف الدول الأخرى بدويلة المعارضة.
إنجازات الإنتصار في حلب
يمكن تقسيم هذه الإنجازات الى إنجازات داخلية وخارجية، فعلى صعيد الإنجازات الداخلية يمكن القول ان هذا الإنتصار غيَّر المعادلات الميدانية في داخل حلب حيث استطاع الجيش نقل المعارك من دمشق الى حلب والمناطق الحدودية وقام بتثبيت مواقعه، كما يفتح هذا الإنتصار الطريق امام تحرير باقي المحافظات مثل ادلب والرقة.
أما الإنجازات الخارجية فهي إقليمية ودولية، فعلى الصعيد الإقليمي يصب هذا الإنتصار في مصلحة محور المقاومة وايران أمام السعودية وتركيا ويتسبب بهزيمة المخططات الوهابية التكفيرية لآل سعود، أما على الصعيد الدولي أدى هذا الإنتصار الى ترجيح كفة روسيا أمام الغرب وامكانية الاستفادة منه في قضايا أخرى مثل أوكرانيا والناتو، وأفشل الانتصار في حلب أيضا الخطط الغربية – العبرية – العربية لتقسيم سوريا ودول محور المقاومة كما خطط له هنري كيسينجر في عام 2004.
ان معركة تحرير حلب أفشلت مخطط الحرب الإستنزافية في سوريا والتي خطط لها الكيان الإسرائيلي وأدت الى ظهور تحالف جديد يضم ايران وروسيا وسوريا وحزب الله وقوى مقاومة أخرى مثل الحشد الشعبي.
الجماعات الإرهابية والسيناريوهات المقبلة
من الممكن ان يبادر الإرهابيون من الآن فصاعدا الى شن حرب استنزاف جديدة بعد هزيمتهم في حلب وربما يمكن القول ان الهجوم على تدمر يأتي في هذا السياق، كما يمكن ان يلجأ الإرهابيون الى شن عمليات أمنية مثل الإغتيالات وتنفيذ تفجيرات واستهداف المراكز الهامة في سوريا، والسيناريو الثالث هو خلق جماعات مسلحة جديدة في سوريا يبادر السعوديون وباقي حماة الارهاب الى تبنيهم، ويبقى السيناريو الرابع امكانية التحول الى المسار السياسي والحل الدبلوماسي للأزمة لكن هذا السيناريو هو احتمال ضعيف ومستبعد بسبب عدم رغبة اطراف الصراع وعدم وجود اجماع دولي، ومن جهة اخرى يجب القول ان سعي الغربيين لزيادة الضغوط على روسيا لتغيير موقفها في سوريا لن يؤتي ثماره لان روسيا أصبحت لها اليد العليا وان اوروبا هي بحاجة الى مصادر الطاقة الروسية.
واخيرا يجب القول ان الهدف الأكبر لأعداء سوريا من احتلال حلب كان تقسيم سوريا وتشكيل "سوريا الصغيرة" كدولة للجماعات المسلحة الإرهابية لكن تحرير حلب أفشل هذا المخطط وهذا كان بفضل تعاون دول وقوى محور المقاومة ووحدتهم والتضحيات التي قدمت في هذه المعركة.