الوقت - كثيرة هي المشاكل التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي الهش. فقد أظهرت الأزمات التي عصفت بالكيان الإسرائيلي مؤخراً عجز تل أبيب، والمجتمع الإسرائيلي غير المتجانس، على مواجهة التحدّيات.
ألقت أزمة الفضائح الجنسية مجدداً بظلالها على قادة الکيان الإسرائيلي، فبعد الفضائح الجنسية التي طالت كلاً من الجنرال الإسرائيلي في الجيش أوفك بوخرس، والقاضي الذي أدين هو الآخر بتحرش جنسي، تطفو اليوم على سطح الإعلام الإسرائيلي قضيّة جنسية جديدة لعضو كنيست سابق.
قد يتساءل البعض عن كرّ سبحة الفضائح الجنسية والأخلاقية للسياسيين الإسرائيليين، إلا أن التقرير السنوي لحقوق الإنسان الإسرائيلي الذي صدر صباح أمس الأربعاء عن اتحاد الحريات المدنية في دولة الاحتلال يكشف حجم الصراع القائم بين السلطتين السياسيّة والإعلاميّة. وفي حين تعمد الأولى إلى محاولة إسكات الأخيرة وإضعافها في حال فشلت في ترويضها، تستخدم السلطة الإعلاميّة سلاح الفضائح الجنسيّة والرشاوى والمخدّرات لمواجهة السياسيين الإسرائيليين.
فضائح بالجملة
لم تكن الفضائح الجنسيّة بالأمر الجديد على سلطات الکيان الإسرائيلي، فرئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي السابق موشه كتساف يقضي حكماً بالسجن سبع سنوات بتهم الاغتصاب والتحرش الجنسي، إلا أن طفرة هذه الفضائح في الآونة الأخيرة عزّزت من الشرخ القائم بين السلطتين السياسيّة والإعلاميّة في هذا الکيان.
وقبل أيام كشف البرنامج التلفزيوني “الحقيقة/עובדה”، فضيحة عضو الكنيست الإسرائيلي، ليتم توقيف عضو الكنيست (لم يسمح بنشر اسمه بعد) وتمديد توقيفه، لاحقاً، لمدة خمسة أيام بتهمة تلقيه رشوى جنسية من رجل أعمال إسرائيلي مقابل خدمة مصالح رجل الأعمال في الكنيست الإسرائيلي. وبعد النشر في البرنامج التلفزيوني تمكنت الشرطة من التواصل مع المرأة المعنية المقيمة ببيلاروس وجلبها للبلاد لغاية استكمال التحقيق، وعقد مواجهة بينها وبين عضو الكنيست الإسرائيلي السابق.
لاحقاً، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية فضائح جديدة عبر توجيه اتهامات لوزير السياحة الإسرائيلي السابق بتهمة تعاطي مخدر الكوكايين أثناء قيامه بمهام رسمية خارج البلاد، كذلك اتهامات إعلامية وجهت لعضو الكنيست الحالي عن الليكود أورن حزان بأنه عمل في شؤون تخلّ بالأخلاق ومدير كزينو للقمار قبل توليه منصب عضو الكنيست.
لم تتوقّف الفضائح الجنسيّة عند الحدود السياسيّة، فقد نشرت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي ضمن برنامج التحقيقات الاستقصائية "مكور" تقريرا تضمن شهادات تشير الى جرائم جنسية ارتكبها ضباط في كتيبة "تسبار" المنضوية في سياق لواء المشاة الشهير في الجيش الاسرائيلي "غفعاتي".
الفضائح طالت قائد الكتيبة "ليرون حجيبي" وقائد لواء غفعاتي "عوفر فينتر" وقائد المنطقة الجنوبية في تلك الفترة الجنرال "سامي ترجمان" الذي اتهم بالتستّر على هذه الجرائم. وقد تضمّن التحقيق مقابلة مع المجندة "ماي فاتل" التي سبق وان قدمت شكوى ضد قائد الكتيبة "ليون حجيبي" اتهمته فيها بالتحرش بها جنسيا. وأوضح التقرير الذي نشرته القناة العاشرة أن قادة اللواء والمنطقة العسكرية حاولوا حصر التحقيق في هذه الجرائم داخليا "داخل الكتيبة" والتستر عليها وعدم تحويلها للشرطة العسكرية المسؤولة عن التحقيق في مثل هذه الجرائم. فضائح "حجيبي" لم تكن في أيّام السلم فحسب، بل أوضح أحد ضباط الصف في الكتيبة المذكورة: استأجرت خلال عملية الجرف الصامد غرفة في موقف "تساليم" لقائد الكتيبة "حجيبي" الذي وصل الغرفة مع مجندة.
الإعلام الإسرائيلي في مواجهة السياسيين
لم تكن الفضائح الجديدة من قبل الإعلام الإسرائيلي مزاجيّة، بل تأتي في سياق الضغوط التي تشنّها السلطة السياسيّة على الإعلام، حيث وجّه تقرير حقوق الإنسان السنوي الإسرائيلي انتقادات شديدة لسلوكيات السياسيين الإسرائيليين بشكل عام ولرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشكل خاص تجاه الانتقادات التي توجه لهم من صحفيين إسرائيليين ومن وسائل الإعلام الإسرائيلية.
ويوضح التقرير الذي يصدر عن اتحاد الحريات المدنية الإسرائيلي أن "شخصيات عامة إسرائيلية حاولت المس بوسائل الإعلام الإسرائيلية من خلال محاولة إغلاق سلطة البث العامة لأسباب سياسية، ومحاولة فرض الرقابة على الانتقادات المنشورة عبر فضائية الكنيست الإسرائيلي، ونشر السياسيين لردود شديدة اللهجة ضد تحقيقات صحفية تنتقدهم".
عدة دلالات تحملها التطورات الجنسيّة في الكيان الإسرائيلي وكذلك المواجهة المشتعلة بين الإعلاميين والسياسيين، تُثبت حجم استغلال البعض لسلطته من أجل تحقيق مآرب باتت معروفة. نُشير لبعضها في التالي:
اولاً: كما أظهرت الحرائق والأمطار ضعف السلطات الإسرائيلية من جوانب عدّة، تشير الفضائح الأخيرة في الوسطين السياسي والعسكري إلى حجم الفساد الذي تعيشه السلطتان السياسيّة والعسكرية في الكيان الإسرائيلي.
ثانياً: تسعى السلطتان السياسيّة والعسكرية، الممسكتان بزمام الأمور في الكيان الإسرائيلي لإضعاف دور وسائل الإعلام عبر توجيه الانتقادات السياسية لعمل الصحفيين الإسرائيليين بسبب عملية الرقابة والانتقاد للنظام الحاكم هناك. هذا ما أوضحته المديرة التنفيذية لاتحاد الحريات المدنية في دولة الاحتلال الإسرائيلي شارون أبراهام فايس عندما قالت :مهاجمة رجال السياسة لوسائل الإعلام لا تمس فقط بحرية الرأي والتعبير، بل تشكل أيضاً عملية تحريض ضدها، ومن يتم مهاجمتهم من الصحفيين يتحولون لخونة وأعداء، ويؤدي ذلك لتزايد العنف اللفظي والجسدي ضد الصحفيين، وناشطي حقوق الإنسان وضد الأقليات أيضاً.
كل هذا الفساد يحصل بالتزامن مع تقديم ضباط من الجيش شهاداتهم لدى الشرطة الإسرائيلية في موضوع صفقة الغواصات الألمانية، وفي حين يرى عضو الكنيست الإسرائيلي نحمان شاي أن قانون تبييض البؤر الاستيطانية نهاية "إسرائيل" الديموقراطية، نؤكد أن نهاية "إسرائيل" الديموقراطيّة كانت منذ ولادتها في العام 1948، بل حتّى قبل ذلك، ولكن كيف؟.. فلنراجع تاريخ الأنبياء