الوقت- لم يكن القرار الأمريكي بانتهاك الاتفاق النووي أمراً مفاجئاً للقيادة السياسية والعسكرية في إيران. قد يتفاجأ البعض، ربّما، بإعلان البيت الأبيض نيّة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التوقيع على القانون الذي تمّ تصويبه بالإجماع (99 صوت من اصل 100) في مجلس الشيوخ، والذي يقضي بتمديد العقوبات ضد إيران لمدة 10 سنوات، ولكنّ يمكن القول أن هؤلاء المتفاجئين لا يعرفون الطرف الإيراني جيّداً.
قد يرى البعض أن الإدارة الأمريكية نجحت في خداع الطرف الإيراني، إلاّ أن مراجعة الموقف الإيراني، ومنذ اليوم الأوّل للاتفاق، تؤكد أن طهران كانت على علم مسبق بخداع واشنطن، إلا أنّه لا يمكنها محاكمة واشنطن، أمام الرأي العام العالمي، على النوايا، بل عبر الوقائع التي ثبتت مؤخراً بالدليل القاطع.
علم إيراني مسبق
لطالما حذّر قائد الثورة الإسلاميّة، آية الله السيّد علي الخامنئي، في خطابات عدّة من الخداع والمكر الأمريكي، ففي تاريخ 21/03/2015، أي قبل سنة ونصف تقريباً، أكّد قائد الثورة أن "تصريحات الأمريكيين المتكررة بأن الحظر سوف يرفع تدريجياً بعد الاتفاق وبعد دراسة سلوك إيران وأدائها خدعة"، مشدّداً على ضرورة أن يكون رفع الحظر جزء من المفاوضات وليس نتيجة للمفاوضات.
و بعد ستّة أشهر من الاتفاق، تساءل قائد الثورة قائلاً: ألم يكن من المقرر رفع العقوبات الظالمة، كي يلمس الشعب الإيراني أثر ذلك؟. ليضيف: الاتفاق النووي كان تجربة لعدم فاعلية المفاوضات مع أمريكا.
لاحقاً، وفي خضم التهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مرشّح الرئاسة حينها، حول تمزيق الاتفاق النووي، جاء الرد قاسياً من الجانب الإيراني ومن على لسان قائد الثورة الذي قال: إننا لا ننتهك الاتفاق النووي ولكن إذا انتهكه الطرف المقابل، حيث يهدد مرشحو الانتخابات الرئاسية الامريكية بأنهم سيمزقونه، ولو فعلوا ذلك فإننا سنحرقه. ليضيف مؤخراً: أمريكا قد ارتكبت عدة انتهاكات للإتفاق النووي، وآخرها تمديد العقوبات على إيران لمدة عشر سنوات، وفي حال تطبيق هذا الحظر فان إيران ستعرب عن رد فعل مؤكد حياله.
إنتهاك الإتفاق
القرار الجديد يعدّ دليلاً صارخاً على نقض الإتفاق النووي، وهو ما ستسعى واشنطن للتنصل منه حالياً، إلا أن مراجعة الملحق الثاني، والبند 26 بمحاوره الخمسة، وكذلك البند 29 تؤكد نقض واشنطن للإتفاق. ورد في البند 26 أنه لا يحق إعادة العقوبات التي تمّ تعليقها أو لغوها في الإتفاق النووي. كذلك، ورد الملحق الثاني للإتفاق، وتحديداً في البنود1 - 2 - 4؛ 1 - 3 - 4؛ 2 - 3 - 4؛ 4 - 3 - 4 وبند 2 - 1 – 4، القوانين والعقوبات التي يجب تعليقها أو إلغاؤها، إلا أن قانون "داماتو" الجديد، وخلافاً للبندين 26 و29، أعاد هذه العقوبات ثانيةً.
رسائل ودلالات
رغم أن القرار الأمريكي الأخير، لا يعد الانتهاك الأول، والأخير، للاتفاق النووي، بل يأتي بعد أكثر من سنة ونصف على المماطلة، إلا أنّه يعتبر سنداً رسمياً يسمح لإيران بمقاضاة أمريكا، بصرف النظر عن النتائج المتوقّعة، في الأروقة الدولية.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتعلّق بمستجدات القرار الأمريكي والرد الإيراني المرتقب، وتقديم خلاصة عن تجربة الاتفاق النووي سنذكرها بين ثنايا هذه السطور.
أولاً: كرّرت واشنطن اليوم أفعالها السابقة في نقض الاتفاقات التي تبرمها، ما يؤكد عدم تقیّد امریکا بالتزاماتها، وبالتالي لا یمکن الوثوق بوعود الإدارة الأمريكية المتعاقبة. في المقابل، أثبتت إيران التزامها التام بالاتفاق النووي، "حتّى أن من يعارضون الاتفاق النووي في إيران يفضلون أن تكون الولايات المتحدة هي أول من يُخل بهذا الاتفاق وليس إيران"، هذا ما أوضحته الكاتبة راز تسيمت في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
ثانياً: أثبتت أمريكا من خلال قرارها الأخير، وتوقيع الرئيس أوباما، أنّها الناقض الأوّل، والأخير، للإتفاق النووي، الأمر الذي يجعل الجمهورية الإسلاميّة في حلٍّ من إلتزاماتها. وبالفعل، أكد عدد من النواب الايرانيين نيتهم إعداد مشروع قانون بصفة عاجلة لغاية استئناف جميع النشاطات النووية في البلاد.
ثالثاُ: فيما يتعلّق بتوقيع الرئيس الأمريكي، أثبت أوباما أنّه لا یمکن الوثوق بوعود أي من الحکومات في امریکا، جمهورية كانت أم ديمقراطيّة، فلو كان هناك نيّة، أكرّر نيّة لا أكثر، لدى البيت الأبيض بالإلتزام بالإتفاق النووي، لاستخدم أوباما حق النقض "الفيتو"، ولو شكليّاً، باعتبار أن القانون سيعتبر نافذاً حتى مع فيتو الرئيس بسبب نيله أكثر من نسبة الثلثين في الكونغرس.
رابعاً: قد يعتقد البعض أن المسألة مع إيران تتعلّق بالملف النووي فحسب، وهو تحليل غير واقعي تنقصه الشواهد، أوضح قائد الثورة، وحتى قبل الإتفاق النووي أنّه "لو تراجعتم في القضية النووية سيطرحون قضية الصواريخ ولو تراجعتم في هذه سيطرحون قضية دعم المقاومة ولو تراجعتم أيضا سيطرحون قضية حقوق الإنسان، و بعد حقوق الإنسان، يطرحون موضوع مجلس صيانة الدستور، و بعد ذلك موضوع ولاية الفقيه، و يصل الدور إلى دستور البلاد و سيادة الإسلام، إذن، من الخطأ التصور بأن الجمهورية الإسلامية يمكنها التصالح مع الأمريكان".
خامساً: لا شكّ في أن إيران التي أشارت منذ الأيام الأولى للاتفاق إلى الخداع الأمريكي، قد أعدّت جملة من خطوات الردّ "القاسية"، وفق طهران، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الانتهاك الأمريكي الجديد لا يتعلّق بإيران فحسب، بل بكافّة الأطراف، كأوروبا وروسيا والصين، وكذلك الأمم المتحدة الغائبة عن الحسابات الأمريكية.
ختاماً، یجب استخلاص التجربة من عدم تقیّد امریکا بالتزاماتها في مجال الاتفاق النووي، هذه التجربة تعلمنا انه لا یمکن الوثوق بوعود أي من الحکومات في أمریکا ولا یجب الدفع نقدا في مقابل وعودها.