الوقت - بدأت القوات العراقية عمليات تحرير مدينة الموصل قبل عدّة أسابيع لتطهيرها من العصابات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش".
وتعتبر هذه العمليات من أكبر وأهم العمليات التي خاضتها القوات العراقية منذ أكثر من عامين. وتنبع هذه الأهمية من الموقع الاستراتيجي لمدينة الموصل لقربها من الحدود التركية والسورية، بالإضافة إلى كثافة سكّانها إذ تأتي بالمرتبة الثانية بعد العاصمة بغداد من حيث النفوس، كما إنها تضم الكثير من القوميات والأديان والمذاهب من مختلف شرائح المجتمع العراقي.
وتكتسب عمليات تحرير الموصل أهمية استثنائية كونها تمهد الأرضية لاقتلاع جذور الإرهاب من العراق وتهيء السبيل لاستتباب الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد.
ورغم معارضة أمريكا تمكنت قوات الحشد الشعبي في العراق من المشاركة في هذه العمليات وتحديداً في المحور الغربي منها لمنع قيادات وعناصر "داعش" من الهرب باتجاه مدينة "الرقة" العاصمة المزعومة لهذا التنظيم الإرهابي في سوريا.
كما سعت تركيا إلى منع الحشد الشعبي من المشاركة في هذه العمليات بحجة الخشية من اندلاع حرب طائفية في الموصل بعد تحريرها من "داعش" باعتبار أنّ غالبية سكّان هذه المدينة هم من العرب السنّة، فيما يشكل الشيعة غالبية قوات الحشد.
ووقفت السعودية وقطر وأطراف أخرى إلى جانب تركيا في العزف على وتر الطائفية، فيما أرسلت أنقرة قواتها العسكرية إلى بلدة "بعشيقة" شمال شرق الموصل لمساعدة عناصر "داعش" في الهرب من المدينة باتجاه الأراضي التركية والسورية وبإشراف "التحالف الدولي" الذي تقوده أمريكا.
وتمكن الحشد الشعبي من تحرير الكثير من المناطق غرب الموصل لاسيّما القريبة من قضاء "تلعفر"، وكذلك إحباط المخطط الأمريكي الرامي إلى تهريب قادة وعناصر "داعش" إلى سوريا.
وتقترب القوات العراقية الآن من دخول مركز مدينة الموصل بعد تحريرها لمناطق شاسعة في جنوب وشرق هذه المدينة رغم العمليات الانتحارية التي ينفذها عناصر "داعش" بالعجلات المفخخة واستخدامه المدنيين كدروع بشرية للحيلولة دون تقدم هذه القوات.
ومن شأن عمليات تحرير الموصل أن تهيء الأرضية لإعادة الأمن والاستقرار إلى كافة ربوع العراق، بالإضافة إلى أنها سترفع من مستوى التلاحم الشعبي والرسمي من جهة، وتفتح آفاق جديدة للتعاون بين مختلف أطياف الشعب العراقي وقواه السياسية من جهة أخرى، خصوصاً بعد الانتصارات الباهرة التي حققتها قوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي وقوات "البيشمركة" التابعة لإقليم كردستان العراق في هذه العمليات.
وتدرك القيادة العراقية خطورة تسلل عناصر "داعش" من الموصل وهروبهم نحو سوريا، ولهذا أوعزت إلى الحشد الشعبي بمسك المحور الغربي من هذه المدينة، لأن عودة "داعش" إلى سوريا وخصوصاً إلى مدينة الرقة ستتيح لهم إعادة تنظيم صفوفهم واستئناف العمليات الإرهابية ضد سوريا والعراق.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عناصر "داعش" ومن أجل التغطية على هزائمهم في الموصل قاموا في الآونة الأخيرة بتنفيذ عدّة هجمات إرهابية في بغداد ومدن عراقية أخرى والتي أودت بحياة الكثير من الأبرياء، في حين لازالت هناك بعض القضايا العالقة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان بشأن المناطق المتنازع عليها ومن بينها محافظة "كركوك" الغنية بالنفط، وهذا يتطلب المزيد من التفاهم والتنسيق بين الطرفين لمعالجة هذه القضايا، وعدم فسح المجال لعصابات "داعش" كي تتمدد من جديد في هذه المناطق كما حصل في السابق وتحديداً بعد احتلال مدينة الموصل في 10 حزيران/يونيو 2014 من قبل هذا التنظيم الإرهابي.
وفي ظل هذه التطورات ومع قرب إكمال عمليات تحرير الموصل ينبغي للقيادة العراقية أن تعمد إلى تقديم جميع من تسببوا بسقوط هذه المدينة بيد الجماعات الإرهابية إلى المحاكمة وفي مقدمتهم محافظ المدينة السابق "أثيل النجيفي" والعناصر الأمنية والعسكرية التابعة له والتي تعاونت مع تركيا والسعودية لارتكاب هذه الخيانة التي عرّضت أمن واستقرار العراق إلى الخطر الجسيم وتسببت باحتلال أراضيه وتدمير الكثير من بناه التحتية، فضلاً عن الدماء الزكية التي أريقت والأرواح التي أزهقت والأعراض التي انتهكت جراء هذه المؤامرة البشعة ضد الشعب العراقي.