الوقت- ملفات مهمة عديدة تخص الشأن المصري وعلاقتها المتوترة مع السعودية، والإنفتاح الامريكي المصري، والموقف من سوريا واليمن كانت محور حديثنا مع الكاتب والمفكر السياسي المصري ورئيس تحرير مجلة الديمقراطية والباحث في مركز الأهرام للدرسات السياسية والإستراتيجية الدکتور بشير عبد الفتاح.
الوقت: ما هي معطياتكم عن ما سمعناه حول وقف آرامكو تصدير النفط السعودي لمصر بضغط من جهات سعودية عليا، وما واقعية الحديث عن وساطة بعض الدول العربي لترميم العلاقات المتوترة بين القاهرة والرياض؟
د.بشير: "أعتقد أن العلاقات المصرية السعودية تشهد حالة من الإضطراب منذ 2013 بسبب التسريبات التي نشرت عبر وسائل استخبارات أمريكية-إسرائيلية والتي تضم حديث الرئيس السيسي مع مدير مكتبه عندما كان وزيراً للدفاع بشأن الحصول على أموال من دول الخليجیة وتشبيهه الأخيرة بأشباه الدول، هذا كان أول خلاف جوهري، واستطاع الرئيس السيسي إحتوائه شكلياً إلا أن آثاره ظلت باقية لدى السعوديين، وبعد ذلك أتت قضية الجزر التي وقعت الحكومة المصرية إتفاقاً لتسليمها للسعودية ولكن حدث أن تم إرساء الموضوع لدى القضاء "بسبب الرفض الشعبي للقضية" والذي رفض الإتفاقية واعتبر أن لا حق للحكومة بإعطاء الجزر للسعودية ما اعتبرته الأخيرة تلاعباً بها، وبعد ذلك جاءت مسألة التصويت لصالح المشروع الروسي في مجلس الأمن الذي لم يكن الصدام الأساسي برأيي فالسعودية تعرف موقف مصر من سوريا مسبقاً إذا أنها لا تحبذ إسقاط بشار الأسد بينما المملكة تسعى لهذا الأمر وعندما حدث التصويت استخدم الأمر كذريعة لإيصال رسائل خليجية بأن هناك سخط خليجي من سياسات القاهرة حيال الأزمة السورية إلى أن وصل الأمر بإيصال شركة أرامكو الرسالة الأخيرة التي شهدناها بأن السخط السعودي والخليجي وصل حداً كبيراً من سياسات مصر التي تدعمهم في العلن وتتبع سياسات أخرى في الحقيقة، وهذه المسألة دفعت مصر إلى اللجوء إلى مصادر عربية أخرى لتعويض النفط في ظل غياب أي تبرير سعودي لما حدث وتم تجاوز هذا الموضوع في غياب أي إتصالات من قبل المملكة لتوضيح الأمر ولإعادة المياه إلى مجاريها الأمر الذي دفع إلى مساعٍ لاحقة كقدوم ولي عهد أبو ظبي إلى القاهرة بتوصية من السعودية لإذابة الجليد مع القاهرة خصوصاً بعد وصول ترامب للرئاسة وهو صاحب المواقف المعروفة من السعودية."
الوقت: فيما يخص موضوع النفط هل يحق للسعودية قطعه بهذه الطريقة خصوصاً أن بين مصر والسعودية إتفاقية رسمية موقعة مدتها خمس سنوات وتصل قيمتها لـ24 مليار دولار؟
د.بشير: "هذا النفط جاء بتسهيلات واعتبر أنه منحة ومن هذا المنطلق اعتبرت السعودية أن بإمكانها إيقافه، طبعاً أخلاقياً هذا لا يجوز لكن سياسياً أو قاونياً أعتقد أن السعودية بإمكانها تبرير هذا القرار فنياً أو ما إلى ذلك خصوصاً انه يأتي في إطار المنحة أكثر من كونه عملية بيع وشراء، وحتى لو كان بيع وشراء وهناك شرط جزائي يمكنهم تسويته، وطبعاً كان بالإمكان تبرير هذا القرار المرفوض اتجاه مصر ولكنه لم يُبَرر وتُرك معلّقاً، إلى أن انتُخب ترامب وأصبح التقارب مع مصر ضرورة لهم من ناحية لزوم لًم الشمل العربي ووحدة الموقف العربي لمواجهة سياسة ترامب في المنطقة وخصوصاً اتجاه دول الخليجیة والزيارات والإتصالات الخليجية لمصر تأتي في هذا الإطار."
الوقت: ما هي البدائل المحتملة المتاحة لمصر لإستيراد النفط، هل فعلاً العراق سيكون البديل، خصوصاً بعد التقارب الذي نسمع عنه بين القاهرة وبغداد والذي كان آخر أشكاله فوز فيلم وثائقي عن الحشد الشعبي في مهرجان القاهرة؟
د.بشير: "نعم هناك بدائل عديدة للقاهرة، هناك العراق والجزائر وليبيا ولن يكون هناك مشاكل جوهرية في إيجاد بدائل للنفط السعودي إذا ما استمرت عملية قطعها، فربما تتراجع الممكلة عن قرارها قريباً ولكن إن لم تفعل فلا مشكلة تذكر للقاهرة، إلا أن القضية كانت أن النفط السعودي هو الأقرب والأفضل من الناحية اللوجيستية، لكن القاهرة ترفض لَي ذراعها وأرادت هي الأخرى إيصال رسالة للسعودية أن مصر مهما كانت ظروفها الإقتصادية ستظل أهم وأكبر دولة عربية وأن الإعتبارات الإقتصادية لا يمكن ان تمحو حقائق التاريخ والحضارة والجغرافيا."
الوقت: فيما يخص وصول ترامب للرئاسة هل تعتقدون أن مواقفه من السعودية والدول الخليجية ككل سينعكس تقارباً مع مصر خصوصاً مع البوادر الإيجابية التي نراها بين ترامب والسيسي؟
د.بشير: "ظني أن العلاقات المصرية الأمريكية ستشهد إنفراجاً في عهد ترامب وهذا كان واضحاً منذ الحملة الإنتخابية فترامب إلتقى الرئيس السيسي في نيويورك على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة وتحدّث عن إعجابه به بأنه أحكم السيطرة على البلاد وأنه يتصدى للإرهاب ولم يركز على قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان وبالتالي أعتقد أن إنفراجة ستعم العلاقة بين البلدين، والسعودية تدرك هذا الأمر لذلك هي تسعى للتقارب مع القاهرة من جديد لان القاهرة يمكن أن تستعيد دورها المحوري في الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة ويمكن أن تساهم في بلورة موقف إقليمي عربي في التعاطي مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي تتخوف منها دول مجلس التعاون الخليجي."
الوقت: فيما يخص الموقف من سوريا ما سبب تميّز الموقف المصري عن موقف الدول الخليجية اتجاه سوريا؟
د.بشير: "السعودية كما هو معروف تصر على رحيل بشار الأسد اذ تعتبره شيعي وذراع لإيران والسعودية لديها هاجس معروف بأن إيران تسعى للهيمنة على المنطقة وستكون السعودية يوماً ما هدف لهذه الهيمنة، فيما مصر ترى أن بقاء بشار الأسد أمر ضروري في غياب وجود بديل قوي يمكن الرهان عليه ولا يؤدي لإنتشار الفوضى في سوريا وربما في حال سقوطه ستتربع الجماعات الإرهابية على رأس السلطة، وبالتالي بقاء الرئيس بشار الأسد أمر مهم ليس حباً بشخصه ربما بقدر ما هو خوف من بديل يؤدي لتدمير سوريا وتفتيتها وتدخل القوى الخارجية فيها وهذا هو السبب الرئيس لتميّز الموقف المصري الذي تجلّى بعدم تدخلها عسكرياً في سوريا وعدم دعمها أي جماعات بعينها."
الوقت: فيما يخص الملف اليمني هل تعتقد أن التباعد بين السعودية ومصر قد يؤثر على موقف مصر من الحرب على اليمن؟
د.بشير: "بالنسبة لليمن فإن مصر عضو في التحالف العشري الذي أسسته السعودية للتدخل العسكري في اليمن إلا أن مصر لم تتدخل عسكرياً بشكل مباشر واقتصر الأمر على وضع بضع قطع بحرية في باب المندب، السعودية نفسها قلقة من الدور المصري الطفيف في اليمن لكن في نهاية المطاف أظن أن مصر ستبقى على موقفها بضرورة وحدة اليمن وعدم التدخل عسكرياً في اليمن ومع الحل السياسي."
أخيراً سألنا الدكتور بشير عبد الفتاح عن الإحتمالات المتاحة للسعودية فيما يخص قضية جزيرتي تيران وصنافير بعد مصادقة القضاء المصري على قرار منع تسليمها من قبل الحكومة؟
فأجاب عبد الفتاح: "السعودية ليس لديها العديد من الخيارات في هذه المسألة فلا ملفات أو وثائق تؤكد ملكيتهم للجزيرتين وإذا ما أرادوا اللجوء للتحكيم الدولي فموقفهم لن يكون أفضل، الموقف المثالي لهم برأيي هو التفاوض والتفاهم مع الجانب المصري، إلا أن موقف القضاء لا رجعة فيه والشعب المصري رأيه رافض لهذه المسألة أيضاً، والرئيس السيسي والحكومة يعلمون ان شعبيتهم على المحك فيما يخص هذا الموضوع لذا لا اعتقد أنهم سيصّعدون المسألة بمواجهة الشعب لا سيما بعد حكم القضاء بعدم قانونية إتفاقية تسليم الجزر للسعودية."