الوقت- لا شك أن نفوذ اللوبي الصهيوني في أمريكا هو من الأمور المسلم بها. لكن ما وصل إليه الخلاف اليوم بين الجمهوريين والديمقراطيين في الداخل الأمريكي، هو من الأمور المستغربة. فالشرخ الحاصل بين الطرفين، يعود لعدم قدرة السياسة الأمريكية غض النظر عن المصالح الإسرائيلية، ولو كانت على حساب المصلحة الوطنية الأمريكية. ولكن الأهم من ذلك هو أن إيران، التي يتعاظم دورها اليوم، هي السبب في زعزعة هذه الأنظمة، وهي نفسها، السبب الرئيسي لقلق اللوبي الصهيوني. فماذا في الخلافات الداخلية الأمريكية وقوة اللوبي الصهيوني؟ وماذا في القراءة التحليلية؟
أولاً: رسالة الجمهوريين، فجرت الخلافات الداخلية الأمريكية:
كشفت الرسالة التي أتت بمبادرة من السيناتورالجمهوري توم كوتون، التباين الذي وصل الى حد الخلاف العلني بين الجمهوريين والإدارة الأميركية. الرسالة التي تضمنت تقليلاً من شأن الرئيس الأميركي باراك أوباما، إختتمت بالقول أن توقيع اتفاق بين إيران والدول الست لا يعني أنه سيصبح نافذاً في امريكا إذا لم يصادق عليه الكونغرس ومجلس الشيوخ وعندها بإمكان أي رئيس جديد إسقاط الإتفاق. في المقابل وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بالأمر المثير للسخرية، قائلاً: "إنه أمر مثير للسخرية رؤية بعض أعضاء الكونغرس يسعون لخلق قضايا مشتركة مع الإيرانيين. ما سنركز عليه الآن هو بحث إمكانية الوصول لإتفاق وعندما نوقع إتفاق سنطلع الاميركيين عليه". بالإضافة الى ذلك إعتبر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي وجه إنتقاداً لاذعاً الى الرسالة، معتبراً أنها تلغي سوابق دستورية عمرها مئات السنين وتفتح الباب أمام تعطيل عمل الرئيس الأميركي الآن ومستقبلاً. كما أشار بايدن الى أن الحرب ستكون الخيار البديل وهو أمر ليس بصالح أمريكا.
من جهته إعتبر البيت الأبيض الخطوة الجمهورية بالإستراتيجية المتواصلة لمحاربة عمل الإدارة الأميركية وأنها تهدف لإفشال المفاوضات مع إيران. وقال جوش ايرنست "أود أن أصف الرسالة بالإستراتيجية المستمرة لتقويض صلاحيات الرئيس بالقيام بمهام السياسة الخارجية. في الواقع ما رأيناه من الجمهوريين بالفترات الأخيرة يكشف بوضوح أن هدفهم تقويض المفاوضات". كما شن رئيس الديمقراطيين في مجلس الشيوخ هاري ريد هجوماً على زملائه الجمهوريين مؤكداً أن ما قاموا به ينبع من كراهيتهم للرئيس أوباما. وقال هاري ريد "مواقف زملائي الجمهوريين يبدو أنها محكومة بكراهيتهم للرئيس أوباما. اليوم أرسل أعضاء الكونغرس الجمهوريون رسالة الى القيادة الإيرانية لإحراج الرئيس وتقويض المفاوضات".
إذاً، عبَّرت هذه المجموعة الصغيرة والتي قد يكون تأثيرها كبيراً، عن تضررها من الإتفاق النووي، مع العلم أن هذا الإتفاق غير مرتبط بواشنطن فقط، بل إن هناك الدول الست إضافة الى إيران هي من تقرر مع امريكا طبيعة أي اتفاق محتمل. في المقابل لم تلقى الرسالة إهتماماً كبيراً في الداخل الإيراني حيث قلل وزير الخارجية محمد جواد ظريف من قيمتها معتبراً أنها عمل إعلامي لا أكثر. وقال ظريف "إنه عمل دعائي إعلامي ليس له أي قيمة قانونية ويبين أن هناك مجموعة صغيرة قلقة من التوصل لإتفاق. وما يجري ليس أمراً يمكن أن تتكلم عنه مجموعة صغيرة".
ثانياً: قراءة تحليلية:
في الوقت الذي يظهر فيه الشرخ الأمريكي الداخلي، لا بد من الإشارة الى حقيقةٍ قد لا يجرؤ الكثيرون عن قولها. لكنها حقيقةٌ لا بد من الحديث عنها، وقولها بكل صراحة، في ظل التغيرات السريعة التي تجري في المنطقة.
إيران هي السبب في الخلافات الداخلية الأمريكية. ولكن كيف؟ إيران التي استطاعت أن تفرض نفسها، ليس فقط على الساحة الإقليمية، بل على الساحة الدولية أيضاً، هي السبب في زعزعة أدوار الكثيرين في المنطقة والعالم، ولا سيما الدور الأمريكي الذي يعتبر في حالة التراجعٍ اليوم. فالخلل في السياسة الأمريكية، ومراهنة الأمريكيين على أدواتهم المتمثلة بدول الخليج الفارسي وفي مقدمتها السعودية، أدخل أمريكا في دوامةٍ من الخسارات التي جعلت مصالحها على المحك. فأمريكا اليوم تنظر الى نفسها بأنها يجب أن تجلس مع الطرف الإيراني لعلها تستطيع حفظ إسمها في خارطة السياسة الإقليمية في المنطقة اليوم، بعد أن انحسر دورها في ظل الخسارات المتتالية لمشروعها. وجلوسها مع إيران ليس لأنها تتفق مع إيران، بل لأن إيران أثبتت نفسها على الساحة كطرفٍ واعٍ يتمتع بالحكمة ويعمل في ظل مبادئ ثابتة وواقعية. وهذا الأمر بالتحديد جعل السياسة الأمريكية تقف بين الجلوس مع إيران وحفظ أمن الكيان الإسرائيلي. فأمريكا التي لا تُخفي أهمية حماية أمن الكيان كهدفٍ إستراتيجي لها، تجد ضرورةً في التوافق مع إيران التي يتعاظم دورها في المنطقة، رغماً عن الجميع. الأمر الذي انعكس شرخاً في الداخل الأمريكي، وزعزعةً في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية.
إذأً، إنها إيران، الدولة التي أسسها الإمام الخميني(قدسره)، يتعاظم دورها اليوم، وتعلو فوق الجميع، بل تعدى حجمها ذلك، ليصل الى ضرب التحالفات الكبرى وزعزعتها. وهنا نجد أن الجميع اليوم، أصبح مرغماً أن يتعاطى مع إيران على أنها دولةٌ تستحق الإحترام. فإيران لا تتاجر بسياساتها ولا تبيع حلفاءها، بل ظلت ثابتةً على مبادئها. ولذلك يشكل الجدل الأمريكي الإسرائيلي حول الدور الإيراني، والذي انعكس خلافاً في الداخل الأمريكي، مادةً قد تغير الكثير من السياسات والتحالفات في المستقبل القريب، وإن كانت لن تغير في بقاء أمن الكيان الاسرائيلي كهدفٍ إستراتيجي لأمريكا. وهنا تأتي الحقيقة التي لا نقوم إلا بوصفها، حقيقةٌ تقول أنه: على من يريد أن يسأل عن عرَّاب السياسات الدولية اليوم، فعليه أن يسأل عن إيران.