الوقت- شكلت مسألة توقيع اتفاقية الشراكة الإسرائيلية الأردنية لإستيراد الغاز بهدف توليد الكهرباء من الكيان الإسرائيلي، محط جدالٍ لدى الناشطين والمحللين في الأردن والعالم العربي. في حين لقيت الإتفاقية معارضة شعبية كبيرة قادها أطراف المجتمع المدني الذين رفضوا جعل الشعب الأردني مُمولاً للكيان الإسرائيلي، كما رفضوا نهب حقوق الفلسطينيين. وهو الأمر الذي واجهته الحكومة والبرلمان بصمتٍ واضحٍ دون وجود القدرة على التبرير. فيما اعتبرت تل أبيب الصفقة إنجازاً للنموذج التي تتمنى حصوله مع كافة أطراف "الإعتدال العربي" بحسب تعبير المسؤولين الإسرائيليين. فماذا في قصة الصفقة؟ ولماذا حذَّر خبراء منها؟ وما هي دلالات السلوك الرسمي الأردني والرفض الشعبي؟
قصة الصفقة
في العام 2011، طرحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على الملك الأردني عبد الله، مشروع استيراد الأردن للغاز من الكيان الإسرائيلي. ومع بداية العام 2012 تواصل كبير ديبلوماسيي الطاقة في وزارة الخارجية الإسرائيلية "آموس هيتشيستاين" مع شركة "نوبل اينرجي" الأمريكية من أجل إبرام صفقة مع الأردنيين. بدأت بعدها المفاوضات وامتدت لمدة سنتين يتنقل فيها المفاوضون بين فنادق البحر الميت وفندق "الهيلتون" قرب محطة "بادنتون" في لندن. حصل فيها الأردن على كل الدعم الأمريكي فيما يخص تدريب الأردنيين على التنظيم القانوني للغاز. في العام 2014، ساعدت شركة "نوبل اينرجي" في كسر جمود المفاوضات عبر توقيع اتفاقيات منفصلة مع شركات أملاح أردنية مثل شركة "البوتاس" وشركة "البرومين" بمبالغ تصل لـ 500 مليون دولار من الغاز على مدار 15 عاماً من حقل تامار. مما ساهم في التمهيد لتوقيع الإتفاقية اللاحقة والتي أُبرمت نهاية الأسبوع المنصرم، وهي الإتفاقية الإسرائيلية الأردنية حول الغاز والتي وقعتها "نوبل إينرجي" بالنيابة عن تجمع شركات "حقل لفايثان". وشملت الإتفاقية عقداً أولياً مع شركة الكهرباء الأردنية لبيعها الغاز من حقل لفايثان بما قيمته 12 مليار دولار.
الكيان الإسرائيلي يعتبر الصفقة انجازاً
نقلت الصحيفة الإسرائيلية "ذي ماركر" عن مصدر مُطلع ومتابع لتفاصيل الصفقة، تصريحه بأن من وقف خلف الإتفاق وسعى لإبرامه هو وزير الخارجية الأميركي جون كيري والذي عمل لتحقيق الإتفاق من منطلق ترسيخ محور الإعتدال في الشرق الأوسط بحسب تعبيره. مؤكداً على أن الأمريكيين اعتبروا الإتفاق خطوة استراتيجية وعنصر استقرار في المنطقة بحسب المصلحة الأمريكية. من جهته وصف وزير الطاقة الإسرائيلي "سيلفان شالوم" إنجاز الإتفاق الإسرائيلي الأردني بأنه عمل تاريخي سيُعزز العلاقات الإقتصادية والسياسية بين الطرفين. معتبراً أن هذا الإنجاز سيُحوِّل الكيان الإسرائيلي الى قوة عظمى للطاقة توفر احتياجات جيرانها، وتُعزز مكانتها كعامل مركزي في تزويد الطاقة في المنطقة وهو ما يصب في صالح تل أبيب بحسب اعتباره.
غضبٌ شعبي
أثار توقيع الحكومة الأردنية لاتفاقية توليد الكهرباء من الغاز الإسرائيلي بقيمة عشرة مليارات دولار ولمدة 15 عاما حالة من الغضب الشعبي في الأردن عبَّرت عنه منظمات من المجتمع المدني ومناهضو التطبيع. حيث صدرت دعوات إلى مسيرات ومظاهرات أمام شركة الكهرباء ووسط العاصمة عمّان وفي مناطق أخرى، في حين كانت تغطية الصحف الحكومية للصفقة باهتة، ورفض كتّاب الحكومة عن إبداء آرائهم. في حين اعتبر ناشطون ومحللون أردنيون، أن ما جرى يعتبر كارثة على حق الغاز الفلسطيني المنهوب، وهو مقدمة للتطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي. فيما حذَّر آخرون من جعل الشعب الأردني مصدراً لتمويل الكيان الإسرائيلي.
وفي مقابل صمت الحكومة الرسمي وغياب البرلمان، شن ناشطون في مقاومة التطبيع حملة شرسة على الصفقة، وانتقدوا ما اعتبروه تجاهل الحكومة لمشاعر الشعب الأردني حيال الكهرباء المستورد من الكيان الإسرائيلي.
خبراء أدرنيون يحذرون
أعتبر الخبير الإقتصادي "زيان زوانة" أن خيار الإعتماد على الكيان الإسرائيلي لإمداد الأردن بالغاز الطبيعي هو من أسوأ الخيارات التي ستلجأ لها الحكومة، في حين لا يمكن الوثوق أو تقديم الإئتمان للجانب الإسرائيلي باعتباره عدواً للأردن. مضيفاً أن هذا القرار سيُعتبر من أكثر القرارات الإستراتيجية الخاطئة، التي من شأنها أن تؤثر على استقرار واستقلال القرارات السياسية في الأردن. وأفصح زوانة أن هناك خيارات متعددة ومتاحة أمام الحكومة من الممكن أن تلجأ لها كبديل عن الغاز الإسرائيلي ومنها الإسراع في إنجاز محطة ميناء الغاز الطبيعي المُسال، بالإضافة الى تنشيط مشاريع الطاقة البديلة في الأردن.
من جهته أكد المتخصص في شؤون الطاقة "لهب عطا عبدالوهاب" إن مسألة استيراد الغاز من الكيان الإسرائيلي هو من الأمور المرفوضة سياسياً وسيكون لها تداعيات وخيمة على المستوى الشعبي. مؤكداً أن الرفض الشعبي لهذا الإتفاق سيُبطل أية منافع اقتصادية تُبررها الحكومة خصوصاً في مثل الظروف الحالية التي تشهدها المنطقة.
دلالات وتحليل
عدة حقائق يجب الوقوف عندها يمكن ايجازها بالتالي:
أولاً: يجب ملاحظة أن التصريحات الأمريكية والإسرائيلية لم تتحدث عن أي منافع إقتصادية بل شدَّدت على الأهمية الإستراتيجية لتوقيع الإتفاقية خصوصاً على الصعيد السياسي. وهو ما يعني أحقية خيارات الشعب الأردني الذي رفض الإتفاقية معتبراً أن مبررات الحكومة الأردنية باطلة.
ثانياً: يجب الوقوف عند المساعي الأمريكية لتحقيق ذلك، خصوصاً أن هذه المساعي أخذت ما يقارب الأربع سنوات. وهو يدل على الأهمية التي أولتها الدبلوماسية الأمريكية للإتفاق، خصوصاً لجهة آثاره على مكانة الكيان الإسرائيلي في المنطقة، وترويجه لتل أبيب كملجأ وخيار إقتصادي للأنظمة العربية.
ثالثاً: يجب الإعتراف بأن الحكومة الأدرنية ومن خلال سلوكها، ساهمت في نهب ثروات الشعب الفلسطيني وهو الأمر الذي وقف عند رفضه الشعب الأردني. فيما أعطت الحكومة الأردنية الإحتلال الإسرائيلي ورقة للإبتزاز، سيكون لها آثارها على الصعيدين الحالي والمستقبلي.
رابعاً: وضعت الحكومة الأردنية أمن الأردن القومي بيد الكيان الإسرائيلي. خصوصاً أن إمكانية قطع الكهرباء عن الأردن سيؤدي لكوارث وأزمة داخلياً كما حصل في السابق مع مصر. وهو ما يدل على حجم التبعية العمياء للنظام الأردني وسيره خلف السياسة الأمريكية ولو جاء ذلك خلافاً لمصالحه القومية وعلى حساب العروبة.
يخطو الأردن رسمياً نحو خيارات ليست بعيدة عن الإنهزام الذي تعيشه الأنظمة العربية. في حين يبدو واضحاً، أن خيارات الشعب الأردني تتماشى مع خيارات أبناء وشعوب المنطقة الشرفاء الرافضين لأي أشكال التعاون مع الكيان الإسرائيلي. كل ذلك في ظل أوضاعٍ تتخبط فيها السياسة الأمريكية في المنطقة نحو مزيدٍ من الإنهزام. لنقول أن ملف الغاز أُشعل الأردن داخلياً. حيث سيُقابل الداخل السياسي، رفضاً شعبياً للتطبيع ونهب حقوق الفلسطينيين!