الوقت- بعد مضي أربع سنوات علي الثورة في البحرين، لا نري آفاقاً واعدة للثوارالبحرينيين، ويبدو أن مسار الثورة في هذا البلد قد دخل في عملية الإنهاك والاستنزاف. ويمكن القول إن الثورة البحرينية رغم أنها تتمتع بالعوامل الأساسية للثورة الشاملة، مثل وجود أغلبية مستاءة بين الشعب، المشاركة الشاملة في الاحتجاجات، استمرارية الاحتجاجات وطبعاً القيادة الذكية والواعية مثل الشيخ عيسى قاسم وعلي سلمان، ولكن عدم تحقيقها للنتائج يمكن أن تكون له أسباب مختلفة نشير إليها فيما يلي:
الف - تباين بنية النظام الحاكم مع الثورة
لقد حكم "الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة» البحرين منذ عام 1999 إلي الآن، وأوكل معظم المناصب الرئيسية إلي عائلة آل خليفة أيضاً. وبالتالي فإن الهدف العام للحكومة البحرينية أثناء فترة الثورة، كان دائماً منع دخول الشيعة إلي بنية سلطتها غير الديمقراطية والقائمة علي النسب. وبما أن الشيعة يشكلون الأغلبية في البحرين، فإن أي تطور ديمقراطي سيؤدي من وجهة نظر آل خليفة إلي ترك جزء من السلطة للجماعات الشيعية.
وفي الوقت نفسه هناك جناحان مختلفان في حكم آل خليفة: أحدهما هو الجناح المتطرف والداعم للقمع والمعارض لأي إصلاح وحوار مع المعارضة، يقوده رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة. وأما الجناح الآخر فهو أكثر اعتدالاً، ويديره ولي العهد الأمير سلمان بن حمد، الذي يوافق علي مستوى من الإصلاح والحوار مع المعارضة.
الجناح المتطرف في حكومة البحرين له القوة والهيمنة الأكثر، والأهم من ذلك إنه مدعوم من السعودية. وبالتالي فإن نهج حكومة البحرين يميل إلى النهج المتصلب مقابل المعارضين وعدم القبول بأي إصلاح حقيقي.
ب – الأحزاب والمجموعات المختلفة
من القضايا الهامة للثورة في البحرين، وجود أكثر من 30 حركة ومجموعة حزبية فاعلة في البحرين، ويشكل الشيعة جزءاً كبيراً منها. وستة من هذه المجموعات تدعو إلي الإطاحة بنظام آل خليفة، وعدد كبير منها بقيادة جمعية الوفاق يسعي إلي الإصلاح السياسي ومشاركة الشيعة في حكم البلد.
ولكن يري بعض المحللين أن حضور هذه الأحزاب والتيارات ليس فقط أنه لا يشكل فرصة للثوار في البحرين فحسب، بل يعتبر تهديداً لهم أيضاً. لأنه من المرجح أن نظام آل خليفة قد أتاح متعمداً فرصة قيام هذه الأحزاب لإيجاد التوتر والفرقة في صفوف الشيعة ومعارضي النظام. ذلك أن تشكيل هذا العدد من الأحزاب والحركات في بلد عدد سكانه قليل جداً، ليس نقطة قوة بل ضعف سياسي يبعد المجموعات الرئيسة من الوصول إلي الهدف الأصلي.
ج – الاحتكار الإعلامي
لقد مارست الحكومة البحرينية القمع في وسائل الإعلام والمعلومات أيضاً، حيث اكتفت منذ بداية الثورة والتحركات الشعبية بنقل عدة أخبار قصيرة رغم المظاهرات الواسعة النطاق في هذا البلد. كما منعت دخول عدد كبير من الصحفيين والمصورين لمختلف وكالات الأنباء العالمية إلي أماكن المظاهرات لتغطية أخبار البحرين.
وأقدم نظام آل خليفة علي تعتيم وإغلاق العديد من المواقع الالكترونية التي تغطي أحداث البحرين، وفي مقدمتها جميع المواقع التي تستخدمها جمعية الوفاق، على الرغم من أن هذه المواقع قد حصلت على ترخيص من الحكومة البحرينية. ولهذا السبب وضعت منظمة مراسلون بلا حدود البحرين في قائمة الدول المعادية لحرية الإعلام والوصول إلى الإنترنت.
د - تشرذم المعارضة والابتعاد عن أهداف الثورة
عدم وجود رؤية واحدة بين الجماعات والأحزاب السياسية المعارضة في البحرين، أدي إلي تفرق جبهة المعارضة الداخلية في هذا البلد وافتقارها إلي التماسك والقوة. حيث هناك نهجان مختلفان في الجماعات والأحزاب المعارضة:
النهج الأول اتخذته الجماعات الثورية الداعية إلي تغيير النظام مثل حركة شباب 14 فبراير، علي أساس أن نظام آل خليفة لا يوجد لديه الجدارة والأهلية للحكم علي البحرين، ولهذا السبب يجب إسقاطه. هذه المجموعات تعتقد أن آل خليفة ليس لديهم أي نية حقيقية للحوار، ويسعون إلي اكتساب بعض الشرعية عبر إجراءات شكلية واستعراضية. وبناءً عليه فإن الطريق الوحيد الناجع أمام آل خليفة هو إقامة المظاهرات السلمية حتي إسقاطه.
وأما دعاة النهج الثاني فهم في الغالب من حزب الوفاق و حلفائه من الشيعة والسنة، الذين أكدوا قبل الثورة علي نهجهم الإصلاحي، وبهذه الرؤية شاركوا في انتخابات 2006 و 2010 البرلمانية. ويعتقد هؤلاء أنه يجب الاستفادة القصوي من الحد الأدنى للأجواء المتاحة للمشاركة في الهيكل السياسي للبحرين، وعدم ترك الأمور بشكل كامل لآل خليفة.
وفي مثل هذه الظروف، فإن عدم توحد المعارضة يعتبر تحدياً جاداً أمام الثورة الشعبية في البحرين، الأمر الذي سيؤدي فقط إلي يأس وإحباط المعارضين وانتفاع نظام آل خليفة من الأوضاع الراهنة في البحرين. ويمكن القول إن كل هذه العوامل في الساحة الداخلية البحرينية، سببت تآكل مسار الثورة وابتعادها عن الانتصار النهائي. ومع ذلك فإن استمرار هذا الوضع سيكون مطلوباً لآل خليفة، في حال أوجد هذا النظام الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة للثوار وخاصة الشيعة عبر فرض القيود عليهم.