الوقت- بعد نجاح حركة انصار الله في اليمن، بتحقيقها الإستقرار وتبني خيار الشعب اليمني، قامت السعودية ودول أخرى بزيادة العقوبات السياسية والإقتصادية على اليمن. ففي الوقت الذي يسعى اليمنيون لبناء بلدهم في ظل خطاب الدولة الذي تنتهجه حركة أنصار الله، وهذا ما أظهره الخطاب الأخير للسيد عبد الملك الحوثي، عبرت دولٌ كثيرة في مقدمتها السعودية، عن غضبها من ذلك، مما يعني رفضها الخيارات الشعبية.فما هو دور السعودية الجديد القديم، في زعزعة إستقرار اليمن؟ وكيف أن مشروع حركة أنصار الله وبعد نجاحهم في فرض الإستقرار، هو مشروع بناء الدولة؟
أولاً: محاولة السعودية زعزعة استقرار اليمن ليس بجديد، وسياساتها كانت دوماً تلاقي إمتعاض اليمنيين:
لقد كانت دائماً العلاقات السعودية –اليمنية بشكل عام تتسم بالتوتر. لأن البلدين يتقاسمان حدوداً مشتركة طويلة. وكانت السعودية دائماً تجد في إستقرار اليمن تهديداً لمصالحها، وهو ما عبر عنه اليمنيون في أكثر من محطة سابقة. لذلك كانت السعودية دائماً، تسعى للتدخل بالوضع اليمني.ولكن كيف كانت تتدخل؟
- كلما هددها المزيج اليمني المضطرب سياسياً وقبلياً وطائفياً، كانت تقوم السعودية بإحداث ركود إقتصادي دائم يلوّح برمي البلاد في دوامة لا نهائية من العنف والفوضى. ولم يُخف اليمنيون دائماً، إمتعاضهم من السياسة السعودية لهم، فاليمن لطالما إعتبرت التورط السعودي في شؤونها الداخلية بأنه محاولة لمفاقمة المشاكل القائمة والحفاظ على ضعف الدولة.
- لم ينس اليمنيون ما قامت به السعودية في الماضي أيضاً. فبعد عقود من إنفصال اليمن الشمالي والجنوبي، تم توحيد اليمنيين في عام 1990 تحت قيادة صالح، ولكن بعد أربع سنوات فقط، إندلعت الحرب الأهلية بين اليمنيين، والذي كان للسعودية دورٌ فيه، وهو ما ترجمه سعي بعض الزعماء السابقين في الجنوب إلى الإنفصال، وعملت السعودية حينها على تقوية فكرة الانفصال لدى الإقليم الجنوبي اليمني، الأمر الذي لاقى فشلاً في نهاية المطاف ببقاء اليمن الموحد. وهذه المقاربة السعودية حينها، أثارت لدى معظم اليمنيين فكرة أن جارهم الشمالي يرى في اليمن الموحّد قوة تمثل تهديداً على مصالحه، ولم يقتصر الأمر على السعودية، بل دعمت الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون فكرة الانفصال أيضاً.
- قامت السعودية دوماً بدعم الجماعات المسلحة الداخلية ومن أبرزها تنظيم القاعدة، وجماعات إرهابية أخرى، هي اليوم تشكل على اليمن نفس الخطر الذي يشكله تنظيم داعش الإرهابي.
- عملت الرياض على تقوية الصراع المذهبي. لذلك قررت ومنذ زمن ليس بقصير تغيير ديموغرافية المنطقة الجنوبية على الحدود اليمنية في مناطق عسير ونجران. مما كان يتطلب منها تغيير بنية المنطقة العرقية والدينية، ولذلك بدأت السعودية برنامجاً سرياً لتسكين القبائل اليمنية من مذهبٍ معين، وثم قامت بتجنيسهم. وأعطت السلطات السعودية كل الصلاحيات لهم، بما فيها السماح لهم بحمل السلاح، وغض الطرف عن الأزمات المتكررة مع السكان المحليين في المنطقة.
- وها هي اليوم تسعى لإستخدام نفس السياسة لضرب وحدة وإستقرار اليمن. فقد أشارت مصادر صحفية أن تحركات حثيثة حصلت نهاية الشهر الماضي أجرتها الرياض تجاه اليمن، حيث قامت باستدعاء كبار مشايخ اليمن إضافة إلى قيادات عسكرية. كما قامت السلطات السعودية باستدعاء عدد من مشايخ مأرب وفي مقدمتهم مشايخ أشراف مأرب وعبيدة ومراد وعدد كبير من رموز المشايخ الموالين لحزب الإصلاح. وقالت المصادر أن الرياض غسلت يدها من المسؤولين اليمنيين السياسيين، وبدأت توجه نظرها تجاه القبائل اليمنية بهدف إثارة الفتنة وسط اليمنيين!!
- وهنا يجدر الإلتفات الى ما يلي. إذا كانت السعودية تدعي أنها تحترم خيارات الشعوب، وهي الدولة التي طالما إعترف لها اليمنيون ببعض الجميل، بالرغم من جميلها المحسوب بناءاً لمصالحها، وهو جميلٌ تمثل بقيامها بتخصيص موازنةٍ لليمن، لمساعدته في بعض المجالات. لماذا أوقفت السعودية هذه المساعدات التي كانت تدعم بها اليمن، بمجرد وصول حركة أنصار الله الى الحكم؟ فإذا كان هذ التصرف يدل على عدم الرضا، فهو في الوقت ذاته يدل على عدم إحترام خيار الشعب اليمني.
ثانياً: الخطاب المسؤول لحركة أنصار الله، وسعيهم الدائم لتثبيت وتعزيز الإستقرار:
في مقابل ذلك نجد أن الخطاب السياسي لحركة أنصار الله كان دائماً خطاباً مسؤولاً. وهو ليس بجديد على هذه الحركة.
- سبق لحركة أنصار الله أن شاركت في إنتفاضة عام 2011 ونظموا مسيرات إحتجاجية غير عنيفة ضد الظلم الاجتماعي والفساد الاقتصادي. وها هم اليوم يبدون ويتصرفون بمسؤولية بالرغم من أن الأحداث أثبتت أنهم قوة مدفوعة عقائدياً وجيدة التسليح، لكنهم هدفوا دوماً الى تحقيق الإستقرار في اليمن، وهذا ما سعوا إليه عملياً بمجرد وصولهم للسلطة.
- وعلى عكس ما تحاول بعض وسائل الإعلام التابعة لأنظمة الخليج الفارسي الترويج له، فقد لوحظ توقف التفجيرات التي كانت تحصل وبالتحديد في العاصمة صنعاء منذ أن تولت حركة أنصار الله زمام السلطة في اليمن. وهي التي تمكنت من خلال إدارتها لشؤون البلاد إحتواء والقضاء علي كافة الحركات والجماعات الإرهابية الأخرى في البلاد ومنها القاعدة. سعياً منها لتثبيت إستقرار اليمن الذي يتمتع به حاليا كافة شرائح المجتمع اليمني.
- ثبت الخطاب الأخير للسيد عبد الملك الحوثي، الثقة الواضحة بالقدرة على إدارة شؤون البلاد. فهو الرجل الذي يفترض أن يشعر بالعزلة نتيجة المؤامرات التي هدفت لضرب الحراك الشعبي. لكن الزعيم السياسي أراد أن يوصل رسالةً مفادها أنه مهما كبرت المؤامرات، فهي لن تنجح، والحراك الشعبي الذي إختاره شعب اليمن مستمر لتثبيت الإستقرار. وهو الذي نجح بقيادة هذا الحراك وتعزيز الإستقرار، قال للمسؤولين عن محاولة ضرب الإستقرار إن "اليمن ليس ولاية أميركية أو سعودية، وإن اليمن لن يكون ليبيا". ولم يكتف بذلك بل، وكرجل دولةٍ مسؤول، تحدث عن الملف الإقتصادي، محاولاً طمأنة الشعب اليمني، الى إمكانية الإستغناء عن السعودية في العلاقات الإقتصادية، وذلك من خلال استغلال الثروات اليمنية من المجوهرات والأحجار الكريمة والثروة السمكية.
إذا ما بين السياستين والخطابين، خطاب السيد الحوثي الذي يقود حركة أنصار الله، الداعي لتثبيت الإستقرار والإستغناء عن الخارج أياً كان. بين خطابه خطاب رجل الدولة والمسؤول، وسياسة السعودية التي لا تريد لليمن الإستقرار، وهو أمرٌ ليس بجديد. أثبتت الأيام الماضية قدرة اليمن على النهوض وعجز سياسات السعودية في ضرب إستقرار اليمن. وهنا يبقى السؤال: ماذا ستفعل الدولة السعودية العاجزة، أمام خيارات الشعب اليمني بتثبيت الإستقرار؟