الوقت – بعد مضي عام من فاجعة منى التي زادت من حالة الإبتعاد بين ايران والسعودية نرى اليوم بأن التوتر بين البلدين بات يتخطى القضايا الثنائية والإقليمية، وهو توتر يعتبره المراقبون والمحللون ناجما عن تنافس تدميري تنتهجه السعودية ازاء ايران واتباع الرياض لإستراتيجية مناهضة لطهران في عدة إتجاهات.
وبغض النظر عن الأهمية التي يوليها الإيرانيون لحجاجهم القتلى وقضية التعويض عما لحق بهم وبكرامتهم في وقت لاتحرك الدول الإسلامية ساكنا، فإن هذه القضية يمكن ان تدخل فيها ايضا موضوع التنافس الجيوسياسي بين طهران والرياض في الشرق الاوسط.
حينما تحاول الرياض ممارسة الضغط على ايران من عدة جبهات من أجل احتوائها فإن طرح موضوع فاجعة منى يعتبر ورقة رابحة في يد ايران للضغط على السعودية بغية إفشال الخطط السعودية ورمي الكرة في الملعب السعودي لإجبار السعوديين على الرضوخ للواقع والكف عن خلق التوترات في المنطقة.
ان هذا الأمر وضعه الايرانيون على جدول اعمالهم خاصة بعد المواقف الأخيرة للمسؤولين الايرانيين وعلى رأسهم قائد الثورة الإسلامية الذي أصدر بيانا موجها الى المسلمين في الذكرى السنوية الأولى لفاجعة منى، والان تريد ايران اجبار السعودية على خفض مستوى التوتر بين البلدين والذي بلغ ذروته في القضية السورية حيث يمكن لأي تغيير ميداني هناك ان يرجح الكفة لطرف ضد آخر.
ان فاجعة منى أدت الى ظهور سلسلة من الأحداث المتوترة في العلاقات الايرانية السعودية وجعلت بعض الخلافات تطفو على السطح، لكن التنافس الإقليمي بين ايران والسعودية وخاصة في سوريا هو أساس التنافس بين البلدين والذي يحمل في داخله أشكال أخرى من التنافس الأقل حدة، ولذلك يمكن القول ان موضوع بقاء أو تنحي الرئيس السوري بشار الأسد الذي له تأثير هام على دعم أو إضعاف محور المقاومة قد جعل ايران والسعودية تعيشان أعلى مستوى من التوتر والسجال طوال العقود الماضية.
ان السؤال المطروح اليوم بشكل أساسي في وسائل الإعلام ولدى الرأي العام هو يتعلق بمستقبل العلاقات الايرانية السعودية وكيفية ادارة هذا التوتر الخفي والعلني فيما يزعم بعض المحللين بأن شبح الحرب يخيم على العلاقات بين البلدين، وهنا يمكن الإشارة الى عدة سيناريوهات في هذا المجال:
السيناريو الأول الذي يبدو مستبعدا هو المواجهة المباشرة بين البلدين اللذين يشهدان تصاعد التوتر بسبب الاستراتيجية السعودية المناهضة لايران والذي يهدف الى شل قدرات هذا البلد خاصة بعد ابرام الإتفاق النووي وقطع العلاقات السياسية بين الجانبين، لكن نظرا الى الحقائق الموجودة المتعلقة بالتوازن في المنطقة وكون ايران والسعودية قوتين متوازنتين فلايمكن القول ان هذا السيناريو يبدو منطقيا.
اما السيناريو الثاني الذي هو سيناريو أكثر منطقيا وعملانيا ويعكس سير الاحداث خلال العقد الأخير فهو قيام البلدين بشن مواجهة بالوكالة عبر الجماعات المؤيدة لكل من الطرفين لتسديد الضربات للطرف الآخر وإفشال تكتيكاته وخططه وهذا ما وضعه السعوديون على جدول أعمالهم، ان هذا السيناريو سيتم متابعته بشكل أقوى من الماضي وسيستمر حتى إنتهاء الأزمة السورية وإنجلاء الموقف هناك.
والسيناريو الثالث يتعلق بتحسين العلاقات بين البلدين وتفعيل الادوات الدبلوماسية والمساعي المحتملة للتوسط بين الجانبين لكن يبدو ان هذا الأمر مستبعد على الأقل خلال السنة القادمة حتى موعد إجراء الإنتخابات السورية.
ان كثرة وتعدد الخلافات والتوترات بين طهران والرياض هي من العوامل التي تؤدي الى تعقيد العمل السياسي الدبلوماسي وإبتعاد المصالحة عن متناول اليدين ولذلك ينبغي الإنتظار والتريث حتى إنكشاف الغبار عن المشهد السوري ريثما يتم وضع خارطة جديدة للعلاقات بين ايران والسعودية بعد ذلك.