الوقت- مرة جديدة وبوتيرة متزايدة، يعمل الاحتلال الإسرائيلي أقصى جهده لتهويد مدينة القدس الشريف، هذه المرة يعتمد على تزوير حقائق التاريخ والجغرافيا بوضع شاخصات قرب الحرم المبارك تشير إلى المسجد الأقصى باسم "جبل الهيكل"، في خطوة يراه المتخصصون في شأن المدينة المحتلة رغبة واضحة وإعلان إسرائيلي وشيك عن قرب إقامة الهيكل على أنقاض الأقصى المبارك .وسط حالة من التضيق على سكان المدينة لدفعهم للهجرة تمهيداً لإعلان المدينة يهودية بالكامل.
مسلسل الانتهاكات للمقدسات الفلسطينية والاسلامية مازال مستمراً، فحكومة الاحتلال تصر على منع ترميم دور العبادة وتحديداً المرفقات التابعة للمسجد الأقصى بكافة الأشكال، وتضييق على المصلين خلال دخولهم للمسجد وتمارس شتى المحاولات لتفريغه من المصلين والمرابطين والنشطاء. حيث تعمل سلطات الاحتلال جاهدة ومنذ عام 1967على مشروع طمس الأسماء العربية واستبدال العبرية بها لتمرير الروايات التوراتية والمخططات التهويدية، ففي أول ثلاث سنوات للنكبة قررت لجنة حكومية تغيير أسماء 194 موقعاً، وبعدها أُلحقت اللجنة بديوان رئيس الوزراء وانضم إليها 24 من كبار علماء التاريخ والتوراة، وتم تغيير 7000 اسم لمواقع فلسطينية على الأقل، و5000 اسم تاريخي، في وقت يتم التأكيد عليها في المناهج التعليمية لترسيخها في أذهان الناشئة العرب واليهود.
تطورات خطيرة تشمل تغيير اسم المسجد المبارك:
ففي سابقة خطيرة نصبت طواقم تابعة لبلدية الاحتلال في القدس لافتة تعريفية قرب باب الناظر إحدى بوابات المسجد الأقصى الرئيسية، وحملت اللافتة اسم "جبل الهيكل" بالإشارة إلى المسجد الأقصى، وذلك باللغتين العبرية والإنجليزية، في حين كُتبت تسمية "الحرم الشريف" باللغة العربية.
ويلقى تعليق اللافتات ترحيبا إسرائيليا، فعلى الصعيد الرسمي قدم عدة أعضاء من الكنيست في حزب الليكود اقتراحا قبل سنوات بضرورة تهويد أسماء الأحياء العربية في القدس المحتلة، ومنع استعمالها في الوثائق ووسائل الإعلام الرسمية، وإلزام البلدية بتغييرها.ويشارك في اختيار أسماء اللافتات لجان مختصة عدة أبرزها وزارة الأديان ولجنة التراث وبلدية القدس، وهي على رأس المعنيين بتغيير المعالم الإسلامية والعربية للمدينة وزرع الثقافة التوراتية وإدخال الأسماء العبرية للمقدسات لتصبح جزءا من المفردات المستخدمة يوميا في المجتمع الفلسطيني.
ردود الأفعال:
فلسطينيا، اعتبرت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات على لسان أمينها العام حنّا عيسى أن نصب لافتة تحمل اسم "جبل الهيكل" قرب الأقصى إعلانا إسرائيليا عن قرب إقامة الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى المبارك.
وحمّل عيسى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) المسؤولية عن استمرار الاحتلال في نصب هذه اللافتات، التي غيرت حتى الآن أكثر من 5000 اسم إسلامي عربي مسيحي إلى يهودي لطمس الهوية العربية للمدينة، مضيفا أن هذا التهويد ينتهك قواعد القانون الدولي خاصة أن هذه المناطق محتلة وعلى إسرائيل أن تحافظ عليها.
وأشار عيسى إلى أنه "تم الانتهاء من بناء مجسم الهيكل الثالث المزعوم ولم يبق سوى إقرار مشروع قانون بالكنيست الإسرائيلي يقضي بفرض أماكن محددة لليهود بالأقصى، ووضع مجسم الهيكل أمام المصلى المرواني، وقد يحدث ذلك في عهد الحكومة القادمة".
واعتبر مدير المسجد الأقصى المبارك عمر الكسواني تعليق اللافتة "تعديا على المواثيق الدولية والمعاهدات السلمية والرعاية الأردنية للأقصى، لأنه لايجوز التغيير في المقدسات الإسلامية و المسيحية والمعالم التاريخية"، ناهيك عن أن تعليق اللافتة يأتي ضمن هجمة مسعورة على القدس والمسجد الأقصى.
وشدد الكسواني على ضرورة شد الرحال للمسجد الأقصى والرباط والصلاة فيه لتبديد محاولات الاحتلال فرض واقع جديد عليه وتحقيق هدفه في تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا.
انتهاكات متعددة لحرمة الأقصى:
وفي سياق متصل يتعرض الأقصى لانتهاكات يومية تتمثل في محاولات مستمرة لفرض التقسيم الزماني والمكاني من خلال السماح للمستوطنين باقتحامه يوميا في ساعات الصباح فيما يمنع المسلمون وخاصة النساء من دخوله قبل ساعات الظهيرة، كما كثفت سلطات الاحتلال من هجمتها ضد المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى واتخذت ضدهم إجراءات عقابية شديدة تتمثل بالإبعاد عن المسجد واعتبارهم جهات إرهابية محظورة.
ومن الأخطار التي تحيط بالأقصى أيضا استمرار الحفريات وشق الأنفاق أسفل باحاته، وإغلاق العديد من المؤسسات التي تعمل لإحياء المسجد وإنعاشه بمشاريع مصاطب ومجالس العلم، إضافة للمحاولات المستمرة لإحراقه وتدميره وطمس معالمه، بهدف إقامة ما يسمى "جبل الهيكل" مكانه.
للقدس النصيب الأكبر من الاعتقال التعسفي الاسرائيلي:
تؤكد التقارير الاعلامية أن القدس هي أكثر المدن الفلسطينية التي سجلت فيها اعتقالات خلال الشهر الماضي وبحسب "مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان ". فقد تم تسجيل 467 حالة اعتقال لمواطنين فلسطينيين الشهر الماضي (كانون الثاني 2015)، بينها أربعون طفلا معظمهم بالقدس، كما تم تسجيل اعتقال 26 سيدة وفتاة فلسطينية، أغلبهن من مدينة القدس المحتلة أيضا. وتشير التقارير الشهرية لقضايا الاعتقالات في القدس الى أنه تم اعتقال 151 في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من بينها 110 لقاصرين، وفي شهر ديسمبر/كانون الأول 138 معتقلا ، من بينها تسعون لقاصرين، وفي شهر يناير/كانون الثاني الماضي 56 معتقلا، من بينها أربعون لقاصرين. والتي كان أخرها قيام مستوطنين يهود بإقتاحم المسجد الأقصى منذ ساعات الصباح من جهة باب المغاربة، وسط حراسة أمنية مشددة، ونظموا جولة في باحاته، وقاموا بجولة في أرجاء مختلفة منه وتحديدًا الأماكن التي غالبًا ما تشهد مواجهات، وقد لوحظ تقديم شروحات من ضباط عسكريين رافقوا عناصر الوحدة ومنعت شرطة الاحتلال "الإسرائيلي" جميع الأطفال من دخول المسجد، وحاولت اعتقال أحدهم عند باب السلسلة بحجة إلقائه كرات الثلج على المستوطنين المقتحمين للأقصى. ولم يقتصر الاعتقال على القاصرين فقط، بل امتد ليشمل النساء المقدسيات حيث استمر مسلسل التضييق المتواصل عليهن حيث تقوم شرطة الاحتلال المتمركزة على البوابات باحتجاز جميع هويات النساء أثناء دخولهن للأقصى تحت ذرائع شتى.
وفي السياق ذاته أفادت وكالة "قدس برس" أن الاحتلال الصهيوني يشنّ حملة أمنية تستهدف المرابطين في المسجد الأقصى، حيث ادت الملاحقات الإسرائيلية للمرابطين بقلة أعدادهم، وأصبح الرباط في المسجد الأقصى "رمزياً"، ويقتصر على وجود عدد قليل من المواطنين الفلسطينيين كبار السن، كما أن العنصر النسوي اختفى تقريباً .
اذاً مدينة القدس المحتلة تمرّ في مرحلة هي الأخطر من سابقاتها. فالاحتلال مستمر باستهداف المدافعين عن المقدسات، إلى جانب إبعادهم عن الأقصى ومنعهم من دخوله.فهل يكون للانتهاكات الصهيونية الخطيرة ردت فعل مقابلة في الشارع العربي والاسلامي عموماً؟
