الوقت - تمضي الحرب في سوريا نحو مرحلةٍ من الحسم يقودها الجيش السوري ويسعى من خلالها لقلب المعادلات لصالحه في الميدان. الأمر الذي أبرزته الأيام الأخيرة في حلب. في حين بات واضحاً أن الدور الأمريكي يتعارض مع مصلحة الشعب السوري. حيث تسعى واشنطن لفرض خياراتها في السياسة بعد فشلها في الميدان. كل ذلك من خلال دعم الإرهاب وتشويه سمعة الجيش السوري. في وقتٍ لم تعد سياسات واشنطن ومحاولاتها، تُجدي أي نفعٍ، خصوصاً مع الإنجازات الميدانية والسياسية للدولة السورية وحلفائها. لنقول إن مشروع أمريكا الذي بدأ في سوريا، يبدو أنه ينتهي تحت أقدام الجيش السوري صانع الإنجازات الميدانية. فكيف يمكن وصف وتقييم الوضع الميداني في حلب وسوريا؟ وكيف بات محور الإرهاب المدعوم أمريكياً في موقع المُفلِس على الصعد كافة؟
تقرير حول آخر تطورات الميدان في حلب
تمكن الجيش السوري أمس من استعادة السيطرة الكاملة على منطقة الراموسة جنوب مدينة حلب وذلك بعد اشتباكات عنيفة مع المسلحين الذين انسحبوا بإتجاه الأحياء الشرقية. كما تقدم الجيش في محور الكاستيلو شمال المدينة وسيطر على مواقع جديدة خلال معارك ليلية.
وفي التفاصيل فقد أحكم الجيش السوري حصاره للأحياء الشرقية لمدينة حلب شمال البلاد. كما سيطر وبالإستعانة بغطاء جوي روسي على منطقة الراموسة عند الأطراف الجنوبية لمدينة حلب ليستعيد بذلك كافة النقاط التي كان خسرها لصالح المسلحين قبل شهر من اليوم. وهنا يُشير خبراء أنه بالسيطرة على الراموسة تكون قوات النظام السوري استعادت الوضع الميداني لصالحها، بعد أن سيطرت على طريق الإمدادات القديم الى الأحياء الغربية الواقعة تحت سيطرتها، ليتم إضافتها الى طريق الكاستيلو شمالاً.
بالنسبة للمسلحين، فقد باتوا في موقف أسوأ مع حصارٍ محكم، بعد خسارتهم لطريق الراموسة كما الكاستيلو. وهو ما أعادهم الى وضعهم السيئ بعد أن تمكنوا في 31 تموز الماضي من القيام بهجوم عنيف ضد مواقع الجيش السوري جنوب مدينة حلب. وتمكنت هذه الفصائل بعد أسبوع من بدء هجومها، من التقدم والسيطرة على منطقة الكليات العسكرية المحاذية للراموسة وفك حصار فرضه الجيش السوري لنحو ثلاثة اسابيع حينها. وهو ما عادت وتمكنت قوات النظام السوري من السيطرة عليه يوم الأحد المنصرم، لتقطع طريق الإمدادات الجديد وتحاصر الأحياء الشرقية مجدداً.
قراءة موضوعية في الواقع السوري
لم يكن تعاطي محور الإرهاب مع الأزمة السورية بالشكل الذي يحصل اليوم. في ظل تقدمٍ للجيش السوري، يقلب موازين الأمور وهنا نُشير للتالي:
أولاً: استطاع الجيش السوري فرض معادلاتٍ جديدة لم يكن يتوقعها محور الإرهاب الذي يتكون من المسلحين وكافة داعميهم من العرب والغرب. وهو ما أفقدهم القدرة على فرض الأوراق السياسية، لا سيما في المفاوضات حول العملية السياسية. مما جعل أمريكا تلجأ لخياراتٍ جديدة سنُشير لها لاحقاً.
ثانياً: من خلال انجازات الجيش السوري وحلفائه، تمكن الطرف الروسي ومن خلال التنسيق مع طهران من التعاطي بقوة فيما يخص أوراق التفاوض. في حين كان واضحاً تغيُّر السلوك الروسي مع الطرف الأمريكي، خصوصاً بعد أن أثبتت واشنطن محاولتها الخداع سابقاً. وهو ما جعل حلفاء الجيش السوري في موقع القوة، وأعداءهم في موقع الضعف.
محور الإرهاب وردة الفعل
أخذت قوى محور الإرهاب أي أمريكا وحلفاؤها خطواتٍ عديدة لم تنجح. وهي الخطوات التي اعتمدت عليها من أجل فرض تغيُّرٍ سياسي بعد الفشل في فرض تحولٍ عسكري. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: قام الإرهابيون بشن حملة تفجيرات واسعة شملت أكثر من نقطة في سوريا مستهدفةً المدنيين. ويكفي ذِكر ما جرى يوم الإثنين في 5 أيلول، حيث استشهد أكثر من 50 شخصاً وأصيب عشرات خلال 6 تفجيرات إرهابية استهدفت مناطق متفرقة في كلٍ من مدينة حمص وطريق الصبورة في ريف دمشق والأوتستراد الدولي بريف طرطوس والحسكة.
ثانياً: على الصعيد السياسي ومنذ بداية الأسبوع الحالي، حاولت أمريكا دفع الطرف الروسي خلال المفاوضات، للوصول لإتفاق لوقف اطلاق النار، تُبرره واشنطن بهدف خدمة العملية السياسية، وتأمين مساعدات إنسانية للمدنيين. وهي الكذبة التي لم تعد تنطلي على أحد، حيث بات واضحاً أن واشنطن تهدف لكسر الحصار ومد المسلحين بالعتاد العسكري، الى جانب التأسيس الميداني لمنطقة عسكرية منزوعة السلاح.
ثالثاً: قامت واشنطن ومن خلال أبواقها الإعلامية الغربية والعربية بالترويج لإستخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي. وهو ما لا يُعبِّر عن الحقيقة ويهدف فقط للدعاية من أجل تشويه سمعة الدولة السورية، ودعم فكرة ضرورة تغيير النظام السوري. في حين تسكت واشنطن عن جرائمها في اليمن والتي أعلنت منظمة حقوق الإنسان أنه يجري فيها استخدام السلاح الكيميائي ضد شعب اليمني.
رابعاً: المضي قُدماً في سياسة دعم الإرهاب وتقويته. وهو الأمر غير البعيد عن السياسة الأمريكية والذي اعترفت به وكالة الإستخبارات المركزية، لكنه يزداد في كل مرة يُمنى المسلحون بهزيمة فيها. فها هو الصحفي الأمريكي "سايمور هيرش" ينشر تحقيقاً مطولاً تحت عنوان "جيش من أجل جيش" يقول فيه بأن وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية كانت تتعاون لأكثر من عام مع بريطانيا والسعودية وقطر من أجل نقل الأسلحة والعتاد من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا. في حين خرج تقرير "سي أي أي" ذاته بنتيجة مفادها أنه لا يوجد ما يُسمى معارضة معتدلة قابلة للحياة في سوريا، وأن أمريكا تُسلِّح المتطرفين!
لا شك أن الأمور تسير بعيداً عن الطموحات الأمريكية. الأمر الذي يدفع واشنطن للإستثمار في الإرهاب بشكلٍ أكبر. كل ذلك يقودنا الى قناعةٍ أكبر بأن أمريكا لم تكن منذ البداية تسير في صالح الشعب السوري. لنقول إن الواقع الميداني اليوم، أصبح بحد ذاته نهايةً لمشروعٍ أمريكي طويل، بدأ في سوريا مع الأزمة، وانتهى اليوم تحت أقدام الجيش السوري.