الوقت - يسعى الكيان الإسرائيلي للاستفادة من جميع الوسائل المتعارفة وغير المتعارفة لتحقيق أهدافه، ومن بينها ما يعرف بـ"الدبلوماسية العلمية" التي تستهدف استقطاب النخب العلمية وتبادل الزيارات العلمية مع عدد من الدول العربية والسلطة الفلسطينية في إطار المحاولات الرامية لتعزيز فرص الحلول الاستسلامية وتطبيع العلاقات بين هذا الكيان والعالم العربي.
كما تهدف هذه المحاولات إلى الإيحاء بأن كيان الإحتلال مستعد للتخلي عن توجهاته العدوانية تجاه المنطقة عموماً والشعب الفلسطيني على وجه التحديد، وذلك من أجل إقناع المستوطنين اليهود بالبقاء في الأراضي المحتلة وتحمّل المخاطر الناجمة عن العمليات الجهادية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية ضد الإحتلال.
ومن الوسائل التي يلجأ إليها الكيان الإسرائيلي في هذا السياق تنظيم سفرات وزيارات علمية لليهود من مختلف الدول خصوصاً الأوروبية إلى داخل الأراضي المحتلة. ومن بين المؤسسات التي تقوم بهذا الدور معهد "تكليت" الذي يعد أحد أكبر المؤسسات التي تنظم جولات علمية إلى الكيان الإسرائيلي من مختلف أنحاء العالم.
وخلال مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس" العبرية عام 2014 ذكر"ألن هوفمان" المسؤول عن تنظيم هذه الجولات بأن أكثر من ثلث تكاليف هذه الجولات تدفعها سلطات الإحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أن معهد "تكليت" نظّم حتى الآن رحلات علمية إلى الأراضي المحتلة من أكثر من 66 دولة من مختلف أرجاء العالم.
وأوضحت الصحيفة إن حوالي 80 بالمئة من المشاركين في هذه الرحلات هم من اليهود القاطنين في كندا وأمريكا، مشيرة إلى أن المواضيع التي يتم تناولها في هذه الرحلات تتضمن الحديث عن الطاقة المتجددة وسبل مكافحة التصحر وتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وغيرها من المواضيع.
و يحاول الكيان الإسرائيلي من خلال تنظيم هذه الرحلات إظهار نفسه بأنه كيان متسامح وديموقراطي ويسعى إلى توفير أجواء مناسبة للتقارب العلمي بينه وبين الدول العربية، بهدف تطبيع العلاقات مع هذه الدول.
ويمكن تلخيص المراحل التي يسعى كيان الإحتلال من خلالها إلى تطبيع العلاقات مع العالم العربي إلى ثلاث مراحل:
الأولى: إيجاد علاقات أمنية وسياسية سريّة مع الدول العربية المستعدة للتطبيع وفي مقدمتها مصر والسعودية ودول أخرى في المغرب العربي ومجلس التعاون.
الثانية: إيجاد علاقات بين النخب العلمية في الكيان الإسرائيلي وعدد من البلدان العربية خاصة التي تمت الإشارة إليها في المرحلة الأولى.
المرحلة الثالثة والتي تعد الأهم تتمثل بتمهيد الأرضية للتطبيع النهائي والشامل من خلال إزالة الحساسية الاجتماعية لدى الشعوب العربية ولو بشكل تدريجي إزاء الوجود غير الشرعي لكيان الإحتلال.
وعلى الرغم من أهمية العلاقات السياسية والأمنية السريّة بين الكيان الإسرائيلي والعديد من الدول العربية ومحاولة إظهارها من قبل كيان الإحتلال إلى العلن بين الحين والآخر، إلاّ أن التركيز الاعلامي على هذه العلاقات وتسليط الضوء على تداعياتها من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية يحظى بأهمية أكبر لما له من تأثير على إمكانية التخفيف من حدّة الحساسية الاجتماعية لدى الشعوب العربية تجاه الوجود غير القانوني لكياه الإحتلال. ولهذا السبب تكتسب الزيارات العلمية بين الكيان الإسرائيلي وبعض الدول العربية أهمية خاصة باعتبارها تساهم في ترطيب الأجواء وإزالة الحواجز النفسية بين الجانبين.
المعهد الأمريكي للتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط (MERC)
يضطلع المعهد الأمريكي للتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط (MIDDLE EAST REGIONAL COOPERATION) الذي يرمز له إختصاراً بـ (MERC) بدور خاص في إقامة الندوات العلمية وتنفيذ المشاريع البحثية المشتركة بين عدد من النخب العلمية اليهودية وبعض النخب العلمية في الدول العربية بهدف إزالة الحواجز النفسية بين الجانبين، تمهيداً لتطبيع العلاقات فيما بعد بشكل كامل بين الكيان الإسرائيلي والعالم العربي. وتتم هذه العملية بشكل تدريجي من خلال تبادل المنح الدراسية وإنشاء مختبرات علمية مشتركة وتنفيذ مشاريع خدمية لاسيّما في المجالين الزراعي والصحي.
أكاديمية الدبلوماسية العلمية
من المراكز الأخرى التي تقوم بدور "التطبيع العلمي" بين الكيان الإسرائيلي وبعض الدول العربية هي الأكاديمية الدبلوماسية العلمية (sciencediplomacy) التابعة لمؤسسة التقدم العلمي الأمريكية المعروفة إختصاراً باسم آس (AAAS) والتي أخذت على عاتقها منذ سنوات التقريب بين النخب العلمية اليهودية ونظرائها في عدد من الدول العربية. وتهدف هذه الإجراءات في الحقيقة إلى تطبيع العلاقات بين كيان الإحتلال والدول العربية، وهي تشمل تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والطب والمحاصيل الزراعية وإنشاء مراكز ومختبرات علمية في عدد من مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة لجذب الطلاب الفلسطينيين للدراسة والعمل في هذه المراكز.
المعهد العلمي للتعاون الدبلوماسي الإقليمي (UIDRC)
وهو من المراكز العلمية الأخرى التي تقوم بدور التقريب بين النخب العلمية اليهودية ونظرائها في العالم العربي. وهذا المعهد يخضع لإشراف كلية العلوم الاجتماعية في جامعة "تل أبيب" ويلعب دوراً بارزاً في التنسيق بين مختلف الجامعات العبرية، وقد قام بتنظيم عدد من الندوات العلمية بين هذه الجامعات والمراكز العلمية الأردنية بحضور عدد من الباحثين العرب في شتى الإختصاصات.
وفي وقت سابق كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن آلاف الطلاب العرب، بينهم ستمائة مصري، سجلوا للمشاركة في دورة دراسية يقدمها معهد الهندسة التطبيقية الإسرائيلي المعروف باسم "ألتخنيون"، عبر الإنترنت في مجال تقنية النانو وأجهزة الاستشعار المتناهية في الصغر. وهذه ليست المحاولة الأولى لاستقطاب طلاب عرب، فقد سبقتها محاولات كثيرة، حيث نجح كيان الاحتلال في التواصل مع بعض العلماء العرب الحاصلين على جنسيات أوروبية.
وكانت أولى بوادر التطبيع العلمي مع الكيان الإسرائيلي قد تمت خلال المؤتمر الدولي لوزراء التعليم العالي والبحث العلمي للدول الأورومتوسطية الذي عقد في يونيو/حزيران 2007 بالقاهرة، وشاركت فيه 27 دولة عضواً في الإتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى عشر دول من حوض البحر الأبيض المتوسط.