الوقت- قد تكون كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونجرس الأمريكي قبل أيام من الإنتخابات الإسرائيلية البرلمانية، فرصة له لا تقدر بثمن.
فهذا الحدث هو نوع من الظهور وقت الذروة قد يعزز قاعدته الانتخابية ويساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي على كسب الأصوات. لكن ذلك ربما قد يحدث أيضاً هزةً في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، في ظل الإنتقادات اللاذعة التي توجه له من الداخل الأمريكي، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيتحدث في الكونجرس في الثالث من مارس المقبل بدعوة من رئيس مجلس النواب الأمريكي(الجمهوري) جون بوينر، في ظل معارضة الإدارة الأمريكية. فما هو مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟ ولماذا هذا الصمت من السلطات الأمريكية بالرغم من أنها اعتبرت كلمة نتنياهو، خرقاً لكل الأعراف وتدخلاً في الشؤون الداخلية الأمريكية؟
أولاً: دعوة نتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونجرس:
صدرت دعوة نتنياهو من قبل جون بينر رئيس مجلس النواب الأمريكي المنتمي للحزب الجمهوري ومن دون التشاور مع البيت الأبيض. ويعتبر هذا انتهاكاً للبروتوكول في امريكا، لأن المعتاد أن رئيس الدولة هو الذي يدعو الزعماء الأجانب للزيارة. وما زاد التوتر بين البلدين وبالتحديد بين الرئيسين، الأمريكي أوباما والإسرائيلي نتنياهو، هو أن الأخير لم يبلغ الرئيس الأمريكي بالدعوة. وفي النتيجة سيلقي نتنياهو كلمة في جلسة مشتركة لمجلسي الكونجرس في الثالث من مارس آذار، وسيكون هذا الخطاب الثالث له، لكنه لن يجتمع مع أوباما خلال الزيارة. ومن المقرر أن يحضر أوباما أيضاً، مؤتمراً لجماعة الضغط اليهودية القوية الموالية للكيان الإسرائيلي (إيباك) وهو ما يعتبر شيئاً ضرورياً لأي قائد إسرائيلي يزور الولايات المتحدة.
ثانياً: عجز السلطات الأمريكية أمام نفوذ اللوبي الصهيوني:
قد يرى نتنياهو أنه يحقق عدة أهداف من هذا الخطاب الذي سيلقيه قبل أسبوعين من توجه الإسرائيليين للاقتراع يوم 17 من شهر مارس آذار المقبل. ومن أهم هذه الأهداف عرض وجهات نظره أمام كونجرس يقوده الجمهوريون، وهي فرصة له لتقوية علاقاته الوثيقة بالفعل، مع القيادة الجمهورية قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة. إذاً فنتنياهو يسعى لتحقيق مكاسب سياسية. وهو لم يأخذ بعين الإعتبار أياً من التصريحات المنتقدة له، ليس فقط الأمريكية منها، بل حتى التصريحات التي صدرت من الداخل الإسرائيلي.
فقد وجهت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني انتقاداً لاذعاً لنتنياهو لحد وصفه أنه شخص عديم المسؤولية. واتهمت ليفني نتنياهو بإلحاق الضرر بالعلاقات مع الولايات المتحدة و بأنه يمس بأمن دولة إسرائيل وجنود الجيش بغية تحقيق مكاسب سياسية. وأشارت ليفني الى أهمية العلاقات مع واشنطن بالنسبة لأمن إسرائيل. وأعربت عن تقديرها للولايات المتحدة ونوهت بموقف واشنطن في مجلس الأمن الدولي، واستخدامها الدائم للفيتو ضد جميع القرارات المعادية لإسرائيل. في سياقٍ متصل، قال من جهته رئيس حزب المعسكر الصهويني اسحاق هيرتسوغ أن إصرار نتنياهو على إلقاء خطابه في مجلس النواب الامريكي وفق دعوة من الحزب الجمهوري يهدد أمن اسرائيل وأن نتنياهو وضع مصالح اسرائيل العليا تحت عجلات الانتخابات الاسرائيلية. وأشار هيرتسوغ الى أنه يتوجب على نتنياهو بعد إعلان نائب الرئيس الامريكي جون بايدن عدم لقاءه نتنياهو خلال زيارته المقبلة لواشنطن، يتوجب عليه إعلان إلغاء زيارته للولايات المتحدة الامريكية.
أما في ما يتعلق بالداخل الأمريكي فقد تحدث مسؤول أمريكي كبير للصحافة الأمريكية باستياء، قائلاً أنه لا يتذكر ان العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة ساءت لهذه الدرجة منذ عقود، فالإدارة الامريكية ترى في موقف نتنياهو إساءة للولايات المتحدة ودعمها المطلق والعلاقات الوطيدة مع اسرائيل.
وفيما يتعلق بالشارع الأمريكي، فقد أشارت استطلاعات الرأي في واشنطن حول استياء الأمريكيين من دعوة نتانياهو، ووفقاً لأحدث استطلاع أجرته شركة أبحاث السوق الدولية القائمة على الانترنت يوجوف وهافينجتون بوست بين 4 – 8 فبراير 2015 والذي شمل 1000 فرد، فإن 49% من الذين شملهم الاستطلاع رأوا أنه من غير الملائم دعوة رئيس أجنبي للتحدث في الكونجرس دون التشاور أولاً مع البيت الأبيض، في مقابل 26% رأوا أنه أمر مناسب، بينما ذهب 25% إلى القول بأنهم غير متأكدين.
في ظل هذه المعطيات يتبين لنا أن خطاب نتنياهو يلقى معارضةً كبيرة ، إن على الصعيد الداخلي الإسرائيلي ، أو على الصعيد الداخلي الأمريكي، الرسمي والشعبي. وهذا ما يبين حجم الشرخ الحاصل داخل الجانب الإسرائيلي من جهة، والجانب الأمريكي من جهةٍ أخرى. فبالرغم من أن التصريحات الأمريكة اعتبرت الخطاب تدخلاً في الشأن الأمريكي الداخلي، سيلقي نتنياهو كلمته رغماً عن الجميع في امريكا. وهنا من الواضح أن السلطات الأمريكية عاجزة عن منع نتنياهو من إلقاء خطابه. وليست هذه البلبلة إلا نتيجة لذلك العجز. وبذلك يكون السؤال المطروح التالي، ما هو السبب في صمت السلطات وعجزها؟
من يريد أن يعرف سبب الصمت الأمريكي والعجز في منع الخطاب، عليه أن يقرأ عن نفوذ ما يسمى باللوبي الصهيوني في امريكا، الحاكم الفعلي لها.