الوقت- رغم أن الروس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كانوا يتوقعون الحضور في الأوساط الدولية كشريك مساو، إلا أنهم وجدوا خلال تطورات العقدين الماضيين، أن أمريكا لا تقبل بمثل هذا الموقف وهذه المكانة لروسيا، ولا تعترف بالمصالح الخاصة التي يراها الروس لأنفسهم، حتى في المنطقة القريبة منهم أي الجمهوريات السوفيتية السابقة.
ولذلك ما انعكس في النظام العسكري الروسي الجديد، ووافق عليه بوتين في نهاية العام الماضي، أو الإجراءات التي تجري حالياً في أوكرانيا، هي في الواقع كانت استمراراً للسياسات والمواقف التي تطورت على مدى العقدين الماضيين في الكرملين.
الأميركيون والدول الأوروبية الكبرى، تسببوا في تغيير مواقف القيادة الروسية، وسلوكهم سواء في المنطقة الخارجية القريبة أو فيما يتعلق بمسألة توسيع الناتو نحو الشرق، قد بعث التشاؤم وعدم الثقة في الروس على نحو متزايد. وما نراه اليوم، هو تغيير جوهري في موقف روسيا تجاه العالم وعلاقاتها مع الغرب وخاصة أمريكا.
الروس الذين لم يكونوا يعتبرون حلف شمال الأطلسي تهديداً لهم في السابق، اليوم لم يعتبروه تهديداً واضحاً لهم فحسب، بل يعدونه خطراً وعدواً لروسيا. وهذا الموقف هو حصيلة تجربة لقادة روسيا قد اكتسبوها على مدى العقدين الماضيين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي جعل الروس يضعون في الاعتبار استخدام جميع مصادر قوتهم، ولا سيما في مجال النظم الاستراتيجية والأسلحة النووية، حيث يتضح تفوقهم فيه.
وفي الواقع أثير هذا التطور بواسطة يفغيني بريماكوف في منتصف التسعينات، أي في السنوات الأولى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. حيث أكد بريماكوف في عام 1995 أن علي روسيا أن تستخدم كل قدراتها وإمكاناتها، لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. واليوم يسلك بوتين الطريق نفسه، والمناورة النووية الروسية هي استعراض هذا البلد لقوته وإظهار لعزمه الراسخ للدفاع عن مصالح الكرملين. كما لا يجب أيضاً أن نفسر هذا السلوك بمعني تجاهل قادة روسيا لمصالحهم المرتبطة بالغرب.
فالروس يعلمون جيداً وقد انعكس ذلك في وثائقهم الرسمية أيضاً، أن هناك تهديدات ومصالح مشتركة تفرض التعاون بين روسيا وأمريكا وأوروبا. ويمكن ملاحظة هذا الوضع في التعاون الروسي مع أمريكا وأوروبا لتسوية البرنامج النووي الإيراني.
وعلاوة على ذلك فإن تهديدات مثل تنظيم داعش الإرهابي والقضايا الناجمة عن انتشار الإرهاب والتطرف، نفس التهديد الذي تشعر به أوروبا وأمريكا أيضاً جراء عودة المقاتلين المتطرفين إلي هذه البلدان، تشعر به موسكو تماماً. ولذلك ينبغي ألا نفسر هذا السلوك من خلال تجاهل الجوانب الأخرى للسياسة الخارجية الروسية. فالروس منتبهون تماماً أنه للدفاع عن مصالحهم يجب مراعاة قواعد اللعبة بشكل كامل، وكما يتابعون مصالحهم من خلال استخدام كل القدرات المتاحة، لا ينسون أيضاً التعاون والمشاركة في مجال التخلص من التهديدات واجتذاب المصالح المشتركة.