الوقت- أطلقت فصائل غرفة عمليات "فتح حلب" على هجومها على عاصمة الشمال، اسم غزوة ابراهيم اليوسف وذلك تيمناً بالضابط السوري الذي اشتهر بحادثة مدرسة المدفعية في حلب عام 1979، والتي نفذت تحت اسم "الطليعة المقاتلة" التابعة للأخوان المسلمون، وقالت الطليعة أنذاك رداً على اعتقالات وملاحقات من الأمن السوري لجماعة "الإخوان المسلمون"، فمن هو ابراهيم اليوسف قدوة المسلحين في سوريا وحلب؟
ابراهيم اليوسف أحد ضباط الجيش السوري، مواليد عام 1950 في قرية تادف من ريف حلب، درس في مدارس الرقة، قبل أن يلتقي في المرحلة الثانوية بـ عدنان عقلة، الذي سيصبح لاحقاً زعيم "الطليعة المقاتلة" الفرع المسلح لجماعة الأخوان المسلمين في سبعينات القرن الماضي، خلفاً لمروان حديد، بعد الثانوية دخل ابراهيم اليوسف إلى الكلية الحربية وانضم الى فصيل الاخوان المسلمون لاعتبارات طائفية.
عندما سمع حافظ الأسد بالمجزرة:
الساعة السابعة والنصف، مساء السبت 16 حزيران 1979، اتصل اللواء حكمت الشهابي (رئيس أركان الجيش السوري) بالرئيس حافظ الأسد (الذي كان موجوداً وقتها في بغداد) ليخبره بنبئ أليم: "لقد وقعت مجزرة بشعة وغادرة في مدرسة المدفعية في حلب، راح ضحيتها مئات من الطلاب الضباط العزل"، وأردف رئيس الأركان السوري قائلا بصوت مجروح: "المجرمون فرزوا الطلاب بشكل طائفي حقير، وانتقوا الشباب العلويين، وأعدموهم بدم بارد"، ثم زفر الشهابي بمرارة، وأضاف: "كان ذنب الشهداء أنهم علويون!". ظل حافظ الأسد صامتا لبرهة من الوقت، ثم سأل مخاطبه بصوت جاف: "من الذين قاموا بالجريمة؟!".. وجاءه الجواب قاطعا: "ضابط خائن في مدرسة المدفعية، اسمه إبراهيم يوسف. واشترك معه مجرمون من تنظيم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين".
تفاصيل مجزرة المدفعية:
الساعة الواحدة ليلا، يوم الأحد 17 حزيران 1979، امتلأت قاعة الندوة في مدرسة المدفعية في حلب، بقرابة 300 طالب. اجتمعوا بناء على أمر من الضابط المناوب تلك الليلة النقيب إبراهيم اليوسف، لأن إجتماعا شاملا مع مدير الكلية العسكرية سيتم في الصالة الرئيسية، وأنهم سيزودون هناك بتعليمات هامة. وفي القاعة المكتظة فوجئ الضباط الشبان الذين ارتدوا بزاتهم العسكرية الأنيقة، بمجموعة من الرجال الغرباء عن المدرسة يقتحمون المكان، ويغلقون الأبواب. كان هؤلاء يرتدون أزياء عسكرية، ويحملون رشاشات بأيديهم، فسرى بين الحاضرين جو من الشك والقلق.. هنالك برز النقيب إبراهيم اليوسف للطلبة، حاملا رشاشه أمام سبورة الصالة، وقرّب ميكرفونا إلى فمه، وبدأ يخطب خطبة مطولة مهاجما العلويين والنظام الأسدي، ومعلنا أن «كل طالب نصيري في هذه القاعة هو الآن في قبضة مجاهدي الطليعة المقاتلة». ثم أخرج إبراهيم اليوسف من جيبه ورقة حضّرها من قبل، وفيها قائمة أسماء محددة، وأعلن أن من سيُذكر إسمه فعليه أن يغادر القاعة، لأننا لا نريد أن نمسّ إخواننا السنّة بأذى». وبالفعل انسحب، من قاعة الندوة، كثير من الطلبة الذين شملهم «العفو الطائفي».. إلاّ أنّ الضابطين محسن عامر ومحمد عدوية رفضا الخروج من المكان، على الرغم من إذاعة اسميهما، وفضّلا أن يستشهدا مع رفاق السلاح.
كان المسلحون في داخل القاعة أحد عشر فردا، وهم: حسني عابو (قائد تنظيم الطليعة المقاتلة في حلب)، وعدنان عقلة (نائب عابو)، وزهير قلوطة، ورامز عيسى، وأيمن الخطيب، ومصطفى قصار، وماهر عطار، وعادل دلال (من أعضاء الجماعة المسلحة) إضافة إلى النقيب إبراهيم يوسف، والطالبان في المدرسة يحيى كامل النجار، وماني محمود الخلف. وبدا لبعض الطلبة، وقد رأوا الشرّ في وجوه المسلحين، أنّ خيراََ لهم أن يقاوموا تلك العصابة المسلحة القليلة، ولو بسواعدهم العزلاء، من أن ينتظروا الموت غيلة وغدرا. وبالفعل أقدم الطالب الضابط سليمان رشيد اسماعيل على مهاجمة أحد المسلحين، محاولا افتكاك بندقيته منه، ولكن المحاولة الجريئة سرعان ما أودت بحياة صاحبها. وحين أخذ الطلاب في الهياج، وبدا أن الزمام سيُفلت من بين أيدي المسلحين، أمسك إبراهيم اليوسف رشاشه الحربي، وأخذ يطلق النار بغزارة على تلاميذه الشبان الذين كان يفترض به أن يكون قدوة لهم في الإلتزام بتعالليم الشرف العسكري.. وتبعه المسلحون الآخرون في الفتك بالطلاب العزل.
ساد في المكان هرج كبير، وحاول الكثيرون أن يكسروا الأبواب للإفلات بأرواحهم، لكن الرصاص والقنابل كانت لهم بالمرصاد. وروى بعض الناجين من المجزرة كيف أن زميلهم الطالب الضابط أحمد زهيري قام بإمساك أول قنبلة رماها أحد المسلحين واحتضنها في صدره، محاولاً بذلك أن يفتدي زملاءه بروحه، وأن يحميهم من انفجارها فيهم؛ ولقد مزقته قنبلة الغدر أشلاء… ومن بعد أن اطمأنّ المسلحون إلى أن أسراهم سقطوا بين قتيل وجريح، أخذ إبراهيم اليوسف يجول على الشبان الذين ينازعون الموت، فيفرغ في صدورهم رصاصات مسدسه. ولم ينس القتلة أن يعلنوا على سبورة قاعة المذبحة أن "مجاهدي الطليعة المقاتلة" هم من قاموا بتلك العملية.. ثم خرج ابراهيم اليوسف يرافقه مصطفى قصار وماهر عطار وعادل دلال إلى ساحة المدرسة، فوجدوا المجند هوسيب مانوكيان الذي كان يحرس بوابة مستودع الذخيرة، فقاموا بقتله على الفور باعتباره مسيحي "كافرا" هو الآخر. وحين احتج المجند عبد العزيز خليف على هذا السفك لدماء الأبرياء، قام إبراهيم اليوسف بتصويب الرشاش إليه وقتله (رغم علمه بأن خليف سني). وملأ إبراهيم اليوسف سيارة من نوع "زيل" بالبنادق والقنابل والذخيرة التي سرقها من مخزن السلاح في مدرسة المدفعية، قبل أن يلوذ مع عصابته بالفرار.
بعد حين، وصل أفراد المخابرات العسكرية السورية إلى مسرح الجريمة، فوجدوا مئات من الطلبة الضباط مضرجين في دمائهم. كان منظر الأشلاء والجثث المكومة مروّعا. وكانت عبارة الطليعة المقاتلة الموقّعة بطريقة استفزازية على سبورة القاعة المنكوبة، بمثابة إعلان حرب لم يكن النظام السوري يومها متهيئا لها، ولا راغبا فيها. ولم تمض سويعات حتى قبض على الطلبة عبد الراشد حسين وماني خلف ويحيى النجار، فأحيلو إلى المحكمة العسكرية بعد أن شهد زملاؤهم الناجون أنهم اشتركوا في الضلوع بالمذبحة. وتم إعدام القتلة في ساحة مدرسة المدفعية.
ثم حصل في تشرين الثاني 1979 أن ألقى الأمن العسكري القبض على حسني عابو القيادي تنظيم الطليعة في حلب والمشترك في جريمة مدرسة المدفعية، فحوكم وأعدم.. وفي الثالث من حزيران 1980 تمت تصفية قائد المجزرة إبراهيم اليوسف في شقة بحلب، ونقلت جثة القاتل إلى مدرسة المدفعية، ومرّرت أمام صفوف الطلاب الضباط الذين نجوا من عمليته الغادرة، وبصق الجميع عليه.
ويدعي الأخوان المسلمين أن الأمن السوري قتل جميع عائلة ابراهيم اليوسف، ولكن ابنه ياسر ما زال يعيش في تركيا،وسار الابن على نهج الأب ليتصبح عضو المكتب السياسي لتنظم نور الدين الزنكي (قاتل الطفل الفلسطيني في حلب) والمعروف باجرام، وزجته عزيزة جلود مازالت تعيش في الرقة.