الوقت- تتناقل وسائل الإعلام العالمية بين الفينة والأخرى أخباراً عن تزايد التواجد الميداني لتنظيم داعش الإرهابي في مناطق آسيا الوسطى عموماً، وأفغانستان وباكستان على وجه الخصوص، وفي ظل التطمينات الرسمية تشير الأوساط السياسية والقبلية، وبعض المصادر العسكرية إلى إنضمام المئات من مقاتلي طالبان إلى التنظيم الإرهابي، فما قصّة التواجد العسكري الداعشي هناك؟
مما لا شك فيه أن أي نشاط لتنظيم "داعش" الإرهابي في أفغانستان وباكستان سيُلحق الضرر بنفوذ "طالبان" هناك، وخصوصاً أن مسلحي التنظيم لديهم إمكانيات أكثر وأموال طائلة مما يسمح لهم بتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين، فيما تواجه حركة "طالبان" أزمة مالية حادة في الظروف الراهنة.
داعش في أفغانستان
على الرغم من المخاوف المتزايدة من توسّع نفوذ تنظيم داعش الإرهابي في الأقاليم الجنوبية، إلا أن الداخلية الأفغانية تنفي رسمياً وجود أي نشاط للتنظيم في أفغانستان، بحجة عدم وجود دلائل ملموسة تثبت تسلل التنظيم إلى أفغانستان الأمر الذي يثير استغراب كل من راقب عن كثب التطورات الميدانية في جنوب وغرب أفغانستان. رئيس الاستخبارات الأفغانية، رحمة الله نبيل، أكد في خطاب له أمام البرلمان الأفغاني تواجد التنظيم الإرهابي على الأراضي الأفغانية قائلاً: "إن داعش ليس خطراً على أمن أفغانستان أبداً، وإن الاستخبارات الأفغانية ليست قلقة حيال وجود التنظيم الإرهابي"، لكنه في الوقت نفسه يحذر من أن يكون العام الحالي أكثر دموية من العام المنصرم.
في مقابل التطمينات الرسمية، تشير مصادر قبلية في إقليم هلمند، جنوبي أفغانستان، إلى أن المئات من مسلّحي التنظيم بدأوا ينشطون ضد "طالبان" والحكومة الأفغانية على حد سواء، وهم مدججون بأسلحة حديثة ومتطورة، مؤكدة أن التنظيم خاض معارك عنيفة ضد "طالبان" في مديرية كجكي الاستراتيجية، مما أدى إلى مقتل عشرات المقاتلين من الطرفين.
في السياق نفسه تؤكد مصادر قبلية اخرى عن خوض المقاتلين المنتسبين إلى تنظيم "داعش" الإرهابي معارك ضارية ضد مسلحي "طالبان"، وإقامة معسكرات تدريب لهم في جنوب وغرب البلاد، وهو ما ألمح إليه أخيراً بعض المسؤولين في الجيش والحكومة الأفغانية.
إلى ذلك، تقول مصادر في حركة "طالبان أفغانستان" ومصادر قبلية، إن مسلحي "طالبان" اعتقلوا، يوم الأربعاء الماضي، زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي، في أفغانستان، المولوي عبد الرؤوف خادم الذي سُجن ستة أعوام في سجن غوانتنامو الأمريكي، إثر اعتقاله عام 2001 على يد القوات الأمريكية. وجاءت الخطوة بعد يومين من إعلان التنظيم على لسان المتحدث باسمه أبو محمد العدناني، امتداد التنظيم إلى باكستان وأفغانستان وتعيين حافظ سعيد أوركزاي والياً على منطقة خراسان، والمولوي عبد الرؤوف خادم نائباً له. وعلى الرغم من أن المصادر الحكومية نفت علمها باعتقال خادم، لكن مصادر قبلية ومصادر في حركة "طالبان" تؤكد أن "خادم اعتقل مع 45 من مسحلي داعش في مديرية كجكي في إقليم هلمند، جنوبي أفغانستان، بأمر من والي "طالبان" على الإقليم المولوي عبد الرحيم أخند". وتشمل منطقة خراسان بعض مناطق باكستان وأفغانستان وإيران وبعض دول آسيا الوسطى.
داعش في باكستان
باكستان أيضاً، حالها حال أفغانستان في سياق تواجد التنظيم الإرهابي هناك، ففي ظل تحذيرات متكررة للقيادة السياسية الباكستانية من وجود التنظيم في مختلف مناطق البلاد، لا سيّما مناطق الشمال الغربي ومدينة كراتشي، العاصمة الاقتصادية لباكستان، والتي تعاني أصلاً من وجود حركة "طالبان باكستان"، وفرع تنظيم "القاعدة" في شبه القارة الهنديّة، ترفض الحكومة الباكستانية، التي أمرت أجهزة أمنها، حسب تسريبات صحافية، بجمع المعلومات حول وجود التنظيم، الاعتراف رسمياً بأنّ لـ "داعش الارهابي" كياناً حقيقياً في البلاد. ويؤكّد وزير الداخلية شودري نثار أنّه "لا وجود لأي كيان لتنظيم داعش الإرهابي في باكستان، ووجود بعض المتعاطفين معه لا يعني وجود التنظيم في بلادنا.
ويستبعد الجيش الباكستاني بدوره أن يشكّل تنظيم "داعش" الإرهابي أي تهديد لباكستان، في وقت يشير المتحدث باسمه الجنرال عاصم باجوا إلى أنّ "هناك جماعات مسلحة نسبت نفسها إلى داعش الارهابي في الآونة الأخيرة، وتحاول أن ترفع راية التنظيم، لكن ذلك لا يعني أن هناك وجوداً له في باكستان".
وعلى الرغم من نفي الحكومة والجيش، لكنّ ثمّة مؤشرات تنذر بوجود تنظيم "داعش" الإرهابي في باكستان، وتشير الى أنه يعمل حالياً على تشكيل كيان تابع له، لا في باكستان بل في المنطقة كلها. ومن هذه المؤشّرات، رسالة وجّهتها الحكومة المحلية في إقليم بلوشستان إلى الداخلية الباكستانيّة، وسرّبتها وسائل الإعلام وتؤكد الرسالة أنّ تنظيم "داعش" الإرهابي بدأ ينظّم صفوفه في باكستان، وشكّل لجنة من عشرة أشخاص، موضحة أن آلافاً من مقاتلي الجماعات المسلحة بدأوا ينضمون إلى التنظيم في المقاطعات القبليّة الباكستانيّة، في موازاة إعلان حركة "جند الله"، كما أنّ وفداً من التنظيم زار أخيراً باكستان بقيادة أبي الزبير الكويتي، واجتمع بقيادة الحركة.
في السياق نفسه قال مستشار الأمن القومي الباكستاني، سرتاج عزيز :" تم رصد تواجد تنظيم داعش في البلاد، لكن هذا التنظيم ليس خطراً على أمن باكستان أبداً". من جهته، يحذر وزير الداخلية السابق رحمن ملك من أنّ تنظيم "داعش" الإرهابي يجنّد الباكستانيين من دول أوروبية وغربيّة، كأستراليا وألمانيا وغيرهما، معرباً عن خشيته من إرسال هؤلاء إلى باكستان واستخدامهم في تنظيم صفوفه، مشدداً على أن لديه أدلة تثبت وجود التنظيم في باكستان على الرغم من إنكار الحكومة.
في السياق ذاته، يعتبر زعيم "الحركة القوميّة المتحدة" إلطاف حسين، أنّ وجود تنظيم "داعش" الإرهابي في باكستان أمر لا يمكن إنكاره، وعلى الحكومة الباكستانيّة أن ترسم خطة، وتوحّد صفوف القوى السياسيّة والدينيّة لمواجهة هذا الخطر.
مما لا شك فيه أن الجدل بشأن وجود تنظيم "داعش" الإرهابي سواءً في أفغانستان أم باكستان إنتهى بعد إعلان التنظيم على لسان العدناني تعيين حافظ سعيد أوركزاي أميراًعلى فرع خراسان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: من الذي ساهم بفتح فرع جديد للتنظيم الإرهابي هناك؟ ألا يستهدف وجود داعش في منطقة آسيا الوسطى كلاً من ايران،الصين،روسيا والهند؟ ألا تعتبر أمريكا هي المستفيدة الأكبر من هذا التواجد الداعشي هناك؟ تساؤلات لا بد من مواجهتها.