الوقت - بـ"الحقيقة المرّة" يمكن وصف التحقيق الذي نشرته صحيفة الغارديان والذي يكشف بالحقائق والوثائق حجم التورط الخارجي في الحرب السورية، فقد كشفت عدة تقارير في السابق تورط عدة دول في تمويل الإرهاب ومده لوجستياً ومعنوياً، إلا أن صفقات السلاح الضخمة والهائلة الذي تحدثت عنها الغارديان ملفتة وتدعو إلى التنبه والوعي لمن لا يزال غافلاً عما يدور في الحرب السورية من تآمر وعبث خارجي.
الغارديان: أكثر من مليار يورو من الأسلحة من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط
في تفاصيل نشرتها الغارديان البريطانية في تحقيق لها أن دول أوروبا الشرقية قامت ببيع أسلحة بقيمة تصل إلى أكثر من مليار يورو خلال السنوات الأربع الماضية إلى دول في الشرق الأوسط من المعروف قيامها بتهريب السلاح إلى سوريا.
ويستند هذا التقرير إلى تحقيق صادر عن شبكة تقارير البلقان الاستقصائية وبرنامج تقارير الفساد والجريمة المنظمة، والذي كشف نقل الآلاف من قذائف المورتر وقاذفات الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات والرشاشات الثقيلة من خلال خط تهريب أسلحة ممتد من البلقان إلى الجزيرة العربية والدول المحاذية لسوريا، وتدور الشكوك حول أن غالبية الأسلحة تم إرسالها إلى سوريا من أجل تأجيج الحرب الأهلية المستمرة هناك منذ خمس سنوات.
في السياق نفسه قامت مجموعة من المحققين التابعين لهاتين المؤسستين بالتحقيق في بيانات حول صفقات تصدير الأسلحة وتقارير الأمم المتحدة وتتبع حركة الملاحة الجوية، وأظهر التحقيق الذي استمر لسنة كيف أن الذخائر جرى إرسالها من البوسنة وبلغاريا وكرواتيا وجمهورية التشيك ومونتينغرو وسلوفاكيا وصربيا ورومانيا. وبلغت قيمة الأسلحة التي قامت هذه الدول الثماني ببيعها إلى السعودية والأردن والإمارات التي تعتبر أسواق أسلحة رئيسية لسوريا واليمن 1.2 مليار يورو.
كما ذكرت الصحيفة أن عمليات بيع الأسلحة شهدت ارتفاعاً في الفترة الممتدة خلال عام 2015 والذي تمثل بمجموعة من الصفقات الضخمة، وأشارت إلى أنه جرت المصادقة والترخيص لهذه العمليات بالرغم من مخاوف الخبراء والحكومات من وصول الأسلحة إلى أيدي المعارضة المسلحة في خرق واضح للاتفاقيات الوطنية والأوروبية والدولية. هذا ونقلت "الغارديان" عن "باتريك ويلكن" الباحث في مجال الأسلحة في منظمة العفو الدولية و"بوديل فاليرو" مقرر الأسلحة في البرلمان الأوروبي أن بعض عمليات نقل الأسلحة هذه كانت غير شرعية وتمت بطرق ملتوية.
وفي السياق نفسه كشف التقرير بأن خط تهريب الأسلحة فتح في شتاء 2012 حيث بدأت عشرات طائرات الشحن المحملة بالأسلحة التي تعود إلى الحقبة اليوغوسلافية والتي اشترتها السعودية بمغادرة زغرب متجهة إلى الأردن لتظهر بعد فترة قصيرة بعض الأسلحة الكرواتية بيد المسلحين في سوريا.
وعلى الرغم من نفي الحكومة الكرواتية مراراً أي دور لها في عمليات نقل الأسلحة إلى سوريا إلا أن السفير الأمريكي السابق لدى سوريا بين عامي 2011 و2014 "روبرت فورد" قال إن زغرب أبرمت صفقة مولتها السعودية في 2012.
ونقل التقرير عن مصادر حكومية وخبراء في مجال الأسلحة محليين وآخرين تابعين للاتحاد الأوروبي أن 802 مليون يورو من الأسلحة والذخائر بيعت للسعودية منذ 2012. فيما بلغت قيمة صفقات الاسلحة التي أبرمتها الأردن في الفترة نفسها 155 مليون يورو، والامارات 135 مليون يورو، وتركيا 87 مليون يورو.
وكشفت وثيقة سرية تعود لتشرين الثاني/ نوفمبر 2013 حصلت عليها الجهتان اللتان أجرتا التحقيق، أن مسؤولاً رفيع المستوى في وزارة الدفاع الصربية عبر عن مخاوفه من تحويل الأسلحة التي جرى تسليمها إلى السعودية إلى سوريا. ونقلت الصحيفة عن جيريمي بيني الخبير في الأسلحة في الشرق الأوسط في أسبوعية "جاينز ديفينس" أن الجيوش في السعودية والأردن والامارات وتركيا تستخدم عادة أسلحة المشاة والذخيرة الغربية أكثر من تلك السوفياتية. مما يرجح بالتالي أن تكون هذه الدول قد أرسلت شحنات كبيرة من هذه الأسلحة التي طلبتها إلى حلفائها في سوريا واليمن وليبيا.
وبحسب التقرير فإن عمليات تسليم الأسلحة جرت عبر الجو والبحر. حيث جرى تسجيل 70 عملية نقل أسلحة عبر الجو إلى مناطق الصراع في الشرق الأوسط خلال العام الماضي.
من جهة ثانية قال التقرير إن واشنطن بدورها اشترت وأرسلت كميات كبيرة من المعدات العسكرية من وسط وشرق أوروبا إلى المعارضة السورية في محاولة لاحتواء توسع داعش. ووثق التقرير ثلاث عمليات نقل أسلحة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2015 أشرفت عليها القوات الخاصة الأمريكية المسؤولة عن البرنامج السري لتسليح المعارضة في سوريا عبر مرافئ البحر الأسود في البلقان أو الشرق الأوسط.
وقالت "الغارديان" إن السرية التي تحيط بصفقات الأسلحة وندرة البيانات المتاحة للجمهور تجعل من الصعب معرفة وتحديد نوع الأسلحة المرسلة إلى الشرق الأوسط، بيد أن الأدلة التي تم جمعها بما في ذلك تقارير الأمم المتحدة وأخرى محلية حول عمليات تصدير وصفقات الأسلحة تظهر أن غالبية الأسلحة تعود لحقبة الحرب الباردة.
ونقل التقرير عن مسؤول عسكري في الجيش الحر في حلب طلب عدم الكشف عن اسمه أن أسلحة من شرق ووسط أوروبا جرى توزيعها من قبل مقرات القيادة المركزية، قائلاً "قلما يهمنا بلد المنشأ. نعلم فقط أنها من اوروبا الشرقية".
وأضاف أن الجماعات التي تقاتل القوات الموالية للأسد أكثر من داعش تصارع من أجل الوصول إلى الأسلحة، مشيراً إلى أنه "إذا قلت إنك تقاتل داعش ستحصل حينها على ما تريد لكن اذا قلت إنك تقاتل النظام فلا أحد سيكترث بك".