الوقت- لطالما كانت هناك شكوك حول تورّط أمريكا بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي في إغتيال الشهيد عماد مغنية. وليس من الصدفة أن تختلف روايات اغتيال الشهيد مغنية بين "واشنطن بوست" و"نيوز ويك"، لأن التدخل الذي أكده خمسة مسؤولين سابقين في الاستخبارات الأمريكية، واجه عراقيل قانونية هناك، فما حقيقة تورط أمريكا في إغتيال الشهيد مغنية، وما الهدف من الإعلان عن الدور الأمريكي في هذا الوقت تحديداً، هل تريد أمريكا إعادة الهيبة الإسرائيلية التي أذلها حزب الله في شبعا؟ ما مدى صوابية ما نشرته بعض وكالات الأنباء في ربط هذه التسريبات باللوم الذي توجّه به الكونغرس الامريكي إلى وكالة الإستخبارات وفشلها في السنوات الاخيرة؟
قبل أيام من الذكرى السابعة لذكرى اغتيال القائد العسكري لحزب الله، نشرت صحيفة"واشنطن بوست" وأسبوعية "نيوزويك" تقارير تكشف خفايا العملية، التي نُفّذت في قلب العاصمة السورية دمشق، بتعاون وثيق بين المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي،"الموساد".
وإلى جانب تفاصيل تقنية تخصّ تصميم العبوة الناسفة، التي جُرّبت مرّات عديدة في منشأة تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية، في نورث كارولاينا؛ ثمة طرافة في سرد "التعقيدات" القانونية التي سبقت إعطاء الإذن الأمريكي بالتنفيذ: إقناع الرئيس السابق جورج بوش الابن، وكذلك وزير العدل، ومدير المخابرات القومية، ومستشار الأمن القومي، مكتب الإرشاد القانوني في وزارة العدل… بأنّ العملية "دفاع عن النفس"، وليست اغتيالاً!
وبحسب التحقيق في"واشنطن بوست"، في ليلة 18 شباط العام 2008،"سار مغنية نحو سيارته في حي كفرسوسة في دمشق، بعدما أنهى وجبة العشاء في مطعم محلي. خلية من عملاء الـ"سي آي ايه" كانت في الميدان ولاحقته. وعندها، عندما مر إلى جانب سيارة الجيب، انفجرت عبوة ناسفة صغيرة كانت مزروعة في دولاب الاحتياط في الخلف، فقتل مغنية على الفور". أما العبوة، كما كتب غولدمان يقول، فقد"شغلها رجال الموساد الذين كانوا يجلسون في تل أبيب، وكانوا على اتصال مع خلية المراقبة في دمشق".
وبحسب رواية "نيوزويك"، فقد كان الأميركيون هم الذين أنتجوا العبوة وأدخلوها إلى سوريا من الأردن."وفي ليلة العملية كان في الساحة فريق مشترك من رجال سي آي ايه والموساد. ولاحظ مقاتل من الموساد بأن الشخص هو بالفعل مغنية، وزميله من الاستخبارات المركزية الأميركية شغل المادة المتفجرة".
وبحسب التقريرين يقول مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية:"ساعدت أمريكا على صنع القنبلة، واختبرتها مرات عدة في منشأة تابعة لوكالة الاستخبارات في كارولينا الشمالية للتأكد من عدم اتساع رقعة الانفجار ومن عدم وقوع أضرار جانبية، قائلاً:"فجّرنا على الأرجح 25 قنبلة كي نتأكد من حسن سير العملية".
في الخلاصة التسريب احتوى على ثلاثة تناقضات بين روايتَيْ"واشنطن بوست" و"نيوزويك": خلاف حول المسؤولية المباشرة، الصحيفة تنسب التنفيذ إلى"الموساد"، والمجلة تقتبس قولاً لمسؤول أمني أمريكي سابق يفيد أنّ المخابرات المركزية هي الأساس:"كان دور ضابط الموساد يقتصر على الإشارة لنا بأنّ هذا هو مغنية بالفعل"؛ وخلاف حول الضاغط على زناد التفجير، هل كان في تل أبيب حسب الصحيفة، أم في دمشق كما تجزم المجلة؛ وأخيراً، هل كان الضابط الضاغط تابعاً للمخابرات الإسرائيلية حسب الصحيفة، أم الأمريكية طبقاً للمجلة.
تعليقاً على التسريب قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: لم تكشف وكالة الإستخبارات الأميركية "CIA " عن دورها باغتيال أحد أبرز قادة "حزب الله" عماد مغنية عبر صحيفة "واشنطن بوست" عبثًا، بل هدفت الوكالة إلى إيصال رسالة إلى "حزب الله" الذي يهدد المصالح الأميركية في العراق وسوريا، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
وكتب المعلق الأمني في"معاريف الأسبوع"، يوسي ميلمان تحت عنوان"التسريب ليس صدفة"، إن من سرَّب تفاصيل اغتيال الشهيد مغنية لصحيفتي"واشنطن بوست" و"نيوزويك" الأميركيتين أراد نقل رسالة للكيان الإسرائيلي ورئيس حكومتها أن"ليس في وسعكم العمل من دوننا. انظروا إن كان التعاون وطيداً بين جهازي الاستخبارات للدولتين، من شأنه أن يتضرر جراء سياسة رئيس حكومتكم. هذا هو الجوهر المستتر للرسالة المسربة".
وخلص ميلمان إلى أنه برغم أن الرسالة في التسريب موجهة إلى الإسرائيليين ورئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، فإن النشر يمكن أيضاً أن يخدم المصلحة الأمنية للكيان الإسرائيلي. فالأميركيون بذلك يتحدّون"حزب الله" ويضعونه وإيران أمام وضع صعب: ليس الكيان الإسرائيلي وحده الذي تواجهونه، وإنما أمريكا أيضاً.
ومن هذه النقطة بالذات، ينطلق المعلق العسكري في "القناة العاشرة" آلون بن دافيد، الذي ينشر تعليقات أيضاً في"معاريف الأسبوع"، ليشير إلى أن نشر هذه الأنباء يورط أمريكا في المعركة ضد"حزب الله".
وكتب بن دافيد أن قصة اغتيال مغنية نشرت بالتوازي في اثنتين من كبريات الصحف الأميركية، ما يشير إلى وجود حملة مدروسة. وعلى عكس تقدير ميلمان، فإنه"خلافاً لكل القصص التي كتبت حتى اليوم عن اغتيال مغنية، والتي ضمت الكثير من الاختلاقات والتكهنات، ما نُشر هذه المرة يحوي معلومات دقيقة وحميمة".
ويضيف بن دافيد: "لم تخف واشنطن بوست أن مصدر معلوماتها موظف سابق في سي آي ايه، والشعور هو أن هذه حملة موجهة أولاً وقبل كل شيء إلى داخل أمريكا. فوكالة الاستخبارات المركزية تلقت شحنات من الانتقادات في لجنة مجلس الشيوخ، خصوصاً على طريقتها في التحقيق مع المشبوهين بالإرهاب في الدول الأجنبية. وهذا النشر يأتي ليوضح أن الوكالة تعرف كيف تفعل أموراً أفضل. لكن هذا النشر يورط أمريكا مع حزب الله، الذي لم يتهم الأميركيين أبداً باغتيال مغنية".
تعدّ التسريبات الأخيرة لو صحّت انتهاكا للقانونين الأمريكي والدولي باعتبار أنّ أمريكا لم تكن في حرب مع سوريا، ويصعب التصديق أن التوقيت وإختلاف الروايات كان صدفة. فالذي سرّب تفاصيل الإغتيال بعد سبع سنوات، لا سيما لصحيفة مثل"واشنطن بوست" و«نيوزويك"، لم يقم بذلك صدفةً. إن اختلاف التحليلات في فحوى الرسائل المراد إيصالها، يجمع الخبراء أن أمريكا أرادت أن تعيد ولو شيئاً من الهيبة الإسرائيلية بعد عملية مزارع شبعا البطولية.