الوقت - لم تكن عملية تل أبيب رسالة للكيان الإسرائيلي فحسب، بل تحولاً في التنفيذ والتخطيط. وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال تفاصيل العملية. فيما كان لها العديد من الدلالات والتي سنذكرها في التحليل. أما أنها كانت رسالة مُحكمة، فهي في الواقع جاء رداً على كلٍ من نتنياهو وليبرمان. فماذا في عملية تل أبيب النوعية؟ وما هي دلالاتها؟
تفاصيل العملية بحسب الإعلام الإسرائيلي
ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، أن التحقيقات الأولية أشارت إلى أن المنفذين وصلا إلى المكان وعندهم خطة مفصلة لتنفيذ العملية والتسبب بأكبر عدد من الإصابات. وأضافت الصحيفة، أنه بعد أن وصلا للمكان وقاما بتفقده، جلسا في الخارج بجانب مدخل المطعم. ربما لأن المكان كان مزدحماً بالزبائن. انتظرا وطلبا مشروب سبرايت دايت ومشروب الشوكلاتة مع الكريما. بعد دقائق طويلة بدءا في هجومهما. في حين قال بعض الشهود، إن بعض الناجين اختبأوا داخل ثلاجات المطعم.
ردة الفعل الإسرائيلية
من جهته قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي الأمني المصغر "الكابينت" سلسلة إجراءات إنتقامية رداً على عملية تل أبيب، وتتضمن إحكام الحصار على بلدة يطا جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية مسقط رأس منفذي العملية المسلحة الليلة الماضية. كما تشمل الإجراءات حرمان أقربائهم من أية تصاريح للدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948، وسحب تصاريح العمل التي بحوزتهم، وإلغاء التصاريح الممنوحة للفلسطينيين لتبادل زيارات العائلات على جانبي الخط الأخضر خلال شهر رمضان.
وجاء في القرار الإبقاء على تعزيزات عسكرية في أرجاء الضفة الغربية إلى حين إغلاق كافة الثغرات في "الجدار الفاصل" التي تتيح دخولا غير مشروع للفلسطينيين إلى داخل الخط الأخضر. وقال ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، في بيان إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عقد جلسة للمجلس الوزاري المصغر، وتلقى الوزراء إيجازاً حول الأنشطة الإستخبارية والعملياتية، التي قامت بها الأجهزة الأمنية خلال الـ24 ساعة الأخيرة. وعلى الفور، جمدت السلطات الإسرائيلية تصاريح 83 ألف فلسطيني الخميس كان قد سمح لهم بالدخول إلى المناطق داخل الخط الأخضر والقدس المحتلة خلال رمضان.
وكان الجيش الإسرائيلي قد نشر أمس الخميس كتيبتين إضافيتين في الضفة الغربية، وذلك في إطار الإجراءات التي ينوي تنفيذها ردا على العملية التي شهدتها تل أبيب الليلة الماضية والتي أدت إلى مقتل أربعة إسرائيليين. وبعد الهجوم، أحكمت سلطات الإحتلال حصارها الأمني على مدينة يطا جنوب الخليل (مسقط رأس منفذَي الهجوم)، وأقامت حواجز عسكرية على مداخل المدينة الأربعة، ومنعت السكان من الدخول أو الخروج منها.
كما دهم مئات من جنود الإحتلال منزلي منفذَي العملية محمد مخامرة وخالد مخامرة، وهما أبناء عمومة، واعتقلوا عددا من أبناء عائلتهما، وأجرى الجنود مسحا للمنزلين تحضيراً لهدمهما، كما توعد وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان بعملية حازمة ضد كل من قدّم العون لمنفذي العملية.
تحليل ودلالات
عدد من الأمور يجب الوقوف عندها وهنا نشير للتالي:
- إن العملية جاءت بعد أن وجَّه افيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، رسالة مليئة بالاستفزاز، محاولاً رفع ثقة المستوطنين بكيانهم. لا سيما بعد أن استخدم العديد من العبارات التي تتصف بالقوة، محذراً الفلسطينيين من اختبار القوة الإسرائيلية. فجاءه الرد الفلسطيني سريعاً، من خلال العملية النوعية.
- ولعل النقلة النوعية في التنفيذ الميداني، هي من الأمور التي يجب الوقوف عندها. فمن نفذ العملية لم يتخفَ بزيٍ اسرائيلي، بل كانا يرتديان بزات وربطات عنق من ماركات عالمية كما أشار الإسرائيليون في تحقيقهم، إلى أنهما قد تصرفا بكل هدوء وفتحا نيران بنادقهما على الاسرائيليين.
- وهنا فقد تركت العملية مسؤولي الأجهزة أمام تحدٍ كبير يتمثل في كيفية الحفاظ على الأمن خلال شهر رمضان دون إشعال النار في الضفة، ومنع الشباب الفلسطيني من الإقتداء بمنفذي العملية والسير على خطاهم، حيث أن توقيت العملية هو الأهم. كما أن هذه العملية جاءت لتكون نقطة تحول في العمليات، الأمر الذي سيدفع الکيان الإسرائيلي لمنع أي عملية مقبلة. خصوصاً أنه يدرك تماماً أن عملية أخرى ستشعل فتيل العمليات مجدداً. وقد ظهر بوضوح حجم الإرباك الذي يشهده الكيان الإسرائيلي، لا سيما من خلال التشديدات الأمنية الإسرائيلية والإجراءات عقب العملية.
- من جهةٍ أخرى، تعتبر العملية تطوراً نوعياً في طريقة التخطيط والتنفيذ. فالعملية فردية وهذا ما أكدته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. أما المنفذان فقد توجها لتنفيذ العملية بكامل إناقتهما الأمر الذي دفع عنهما أية شكوك، وهذا يتضح فيما نقلته المواقع العبرية عن أحد المتواجدين في المكان أثناء تنفيذ العملية إنه ظن للوهلة الأولى انهما محاميان جاءا لتناول طعام العشاء.
- ولعل التخوف الإسرائيلي منذ فترة، كان موجوداً خصوصاً بعد أن أفاد الإعلام الإسرائيلي بأن العملية التي وقعت مساء أمس، كانت مسألة وقت فقط، حيث حذّر ضباط كبار في المنطقة الوسطى قبل أشهر عديدة، من أنه رغم انخفاض نسبة العمليات خلال الأشهر الستة الأخيرة، فقد يتحول شهر رمضان لأرضية خصبة تشجع على تنفيذ العمليات النوعية.
- كما أن تفاصيل تنفيذ العملية، تعتبر جزءاً من الرسالة المهمة للعملية. فالبندقية مثلاً، وبحسب ما نقل الإعلام مصنعة محلياً، وهو ما يعني انتقال تكنولوجيا السلاح بحسب المحللين، من قطاع غزة الى الضفة الغربية. وهو الأمر الذي يجعل تصنيع هذه البنادق في مدينة الخليل وجوارها، نقلةً نوعية تُسجَّل للفلسطينيين، فيما يتعلق بالقدرات اللوجستية.
إذن لا تعتبر عملية تل ابيب خرقاً واضحا لمنظومة الأمن الاسرائيلي فحسب، وانما ترجمة عملية للتطور النوعي من انتفاضة السكاكين، نحو انتفاضة السلاح الموجع. فمن التخطيط الدقيق الى التنفيذ المُحكم، كانت العملية رسالة موجعة، جاءت رداً على كلٍ من نتنياهو وليبرمان. نتنياهو الذي عاد من موسكو حاملاً بعض التطمينات التي يبدو أنها لم تنفعه. أما ليبرمان فهو أمام تحدٍ، يتمثَّل في رسالة الترحيب التي عايده بها الفلسطينيون، لتوليه منصب وزارة الدفاع. فيما تعتبر العملية فلسطينياً، تأكيداً على استمرار نهج الإنتفاضات السابقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية الحافل بالإنجازات. كلما تقدم، يجعل من عملية تل أبيب النوعية، نقلةً نحو معادلاتٍ جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.