الوقت- ليست أمريكا اللاتينية وما تعانيه من إضطرابات، إلا نتيجةً للواقع الذي تسعى واشنطن لفرضه. في ظل دولٍ كفنزويلا والبرازيل، أصبحت من دول الممانعة للسياسة الأمريكية. خصوصاً أن فنزويلا كانت السبب في تأسيس "التحالف البوليفاري"، كما أن البرازيل ساهمت في تأسيس "مجموعات الجنوب"، والتي تتضمَّن الدول الساعية للخروج من التبعية الإقتصادية لأمريكا. فماذا في تاريخ التآمر على فنزويلا؟ ولماذا تسعى واشنطن لإرضاخها؟
تاريخ التآمر الأمريكي على فنزويلا
في العام 1998، تمكن الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، من الوصول إلى الحكم، بحصوله على أغلبية ساحقة من الأصوات الإنتخابية. ومباشرة، بعد توليه السلطة، بدأ اليساري تشافيز في العمل على إحداث تغيرات جذرية في فنزويلا، أبرزها تعلق بفرض قانون جديد للبترول، نص على مضاعفة النسبة المطلوبة من شركات البترول الأجنبية في فنزويلا، والتي هي في غالبيتها شركات أمريكية. وهو الأمر الذي لم يُعجب واشنطن، في وقتٍ أصبحت فيه فنزويلا في المرتبة الثالثة، من حيث اعتماد الولايات المتحدة عليها في استيراد البترول، عام 2002.
ومن الناحية السياسية، حاول تشافيز النيل من واشنطن، والتي وصف سياساتها بالإمبريالية الفاضحة، وهو ما لم يعجب الطرف الأمريكي الذي عملت حكوماته آنذاك (الرئيس جورج بوش ووزير دفاعه رامسفيلد)، على تأليب الطبقة المتوسطة في فنزويلا على تشافيز، ودعمت ضباط الجيش الفنزويلي المعارضين له.
بدأت الخطة حينها، بإضراب في شركة بترول فنزويلا، التي يعتمد عليها تشافيز بشكل أساسي، ثُمّ انقلاب من قبل ضباط في الجيش. لكن تشافيز، الذي جرى اعتقاله، استطاع التواصل مع ضباط في الجيش موالين له، ومن ثمّ تشغيل شركة بترول فنزويلّا، وأخيراً العودة إلى منصبه من جديد، بعد 73 ساعة فقط.
أما حالياً، فإن أمريكا ما تزال تمضي قدماً في سياستها، مع الرئيس اليساري الحالي "نيكولاس مادورو"، والذي أعلن مؤخراً في شباط الماضي، عن محاولةٍ إنقلابية يقف وراءها عدد من ضباط سلاح الجو، كانوا ينوون مهاجمة بعض النقاط الإستراتيجية في العاصمة "كاراكاس" بواسطة طائرة حربية. واتهم مادورو واشنطن بالوقوف وراء هذه المحاولة، عبر التعاون مع السفارة الأمريكية، التي كُلفت بوضع سيناريو الانقلاب بحسب رأي مادورو. ولا يزال مادورو، بحسب الإعلام الأمريكي، كما أعلنت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قبل أيام، مُعرّضاً لإنقلاب عسكري، إذ نقلت الصحيفة عن مسؤولين في الإستخبارات الأمريكية قولهم، إنّه من الممكن أن يُقال من منصبه، سواء في انقلاب داخل قصره، يقوده مساعدون مقربون منه، أو حتى في انقلاب عسكري.
تحليل: واشنطن ونظرتها تجاه أمريكا اللاتينية
لم تتوان واشنطن يوماً عن استخدام سياسة العصا الغليظة أو ما يُعرف بالحرب الناعمة الخشنة، مع دول أمريكا اللاتينية، ساعيةً للتدخل في الشؤون الخاصة لهذه الدول، بشكل واضح، بهدف محاربة السياسيات المناوئة لها. وهنا لا بد من ذكر التالي:
- تنظر أمريكا لدول اللاتين، باعتبارها ساحةً لإستثماراتها، لذلك سعت لتكريس نمط التبعية الإقتصادية لها. وفي هذا الصدد، نُشير الى أن الظروف الإقتصادية الإيجابية، والتي طبعت مطلع الألفية الثالثة في أمريكا اللاتينية، ساهمت في تزايد عدد الحكومات اليسارية، وظهور قوى فاعلة محلياً وعالمياً. وهو ما ساهم في ظهور حالةً من التحرر من الغطاء الأمريكي، على مستوى اتخاذ قرارات السياسة الخارجية في المنطقة. مما جعل هذه الدول صاحبة قرارها، وهو ما لا تستسيغه واشنطن.
- وهنا نقول بأن الظروف مجتمعة والواقع الحالي، لا يخدم مصالح الزعامة الأمريكية للعالم، خصوصاً وأن واشنطن تسعى لفرض سياساتها في أرجاءٍ مختلفة من العالم، فكيف إذا تعلق الأمر بدولٍ تُشكِّل من خلال جغرافيتها السياسية، امتداداً وأهمية للولايات المتحدة الأمريكية.
- ولعل السياسة التي اتبعتها كلٌ من فنزويلا والبرازيل في الآونة الأخيرة، شكلت أرضيةً للتغيرات الجيوسياسية، والتي لا تتناسب مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية. وهنا فإن الحقيقة تكمن في أن فنزويلا التي ازداد نفوذها في أمريكا اللاتينية، هي السبب الأساسي خلف تأسيس محور اشتراكي معادٍ لأمريكا. حيث تمكن الرئيس السابق "هوغو شافيز" من إنشاء ما يُعرف بـ "التحالف البوليفاري" لشعوب أمريكا، والمعروف اختصارًا بـ "ALBA".
- كما أن البرازيل لم تكن أقل خطراً في خطواتها، تجاه ممانعة واشنطن. فقد أصبحت من القوى الصاعدة ضمن ما يُعرف بمجموعة "البريكس". حيث أخذت تنادي بنظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما لا يقبله العقل الأمريكي. كما أن الدور الكبير الذي لعبه الرئيس السابق "لولا داسيلفا"، لتقوية علاقات التعاون بين ما سُمي دول الجنوب في العالم، من خلال تنظيم قمتي "أمريكا الجنوبية والعالم العربي"، و"أمريكا الجنوبية وإفريقيا"، هو من الأمور التي أدت بواشنطن للخروج عن طورها. الأمر الذي دفعها لمحاولة إحتواء هذه القمم منذ انطلاقها، خوفاً من تغذية النزعة العدائية تجاه الطرف الأمريكي.
- لذلك فإنه وكما سعت واشنطن لتغيير نظام هوغو شافيز في كراكاس، تسعى اليوم لتغيير النظام الذي يقوده الرئيس الحالي، في ظل أزمةٍ إقتصادية تعاني منها البلاد. حيث أن واشنطن استغلت التدهور الحالي لاقتصاد فنزويلا، مما شكل فرصةً جديدة أمام واشنطن لإعلان دعمها للمعارضة، كبديل سياسي في فنزويلا.
إذن، إن الوضع القائم في فنزويلا، ليس إلا نتيجةً للمؤامرات التي تُحيكها أجهزة الإستخبارات الأمريكية، لإخضاع الدول التي تُشكِّل خطراً على السياسة الأمريكية. وهو ما ينطبق على فنزويلا، والتي شهدت تاريخاً من الممانعة قاده هوغو تشافيز. فيما تستغل واشنطن الوضع الإقتصادي الصعب نتيجة الأزمة النفطية العالمية، لإخضاع الدولة التي طالما احتاجت واشنطن لنفطها على مدار سنواتٍ طويلة. وهو ما يدفع بالمعارضين لحكم الرئيس الحالي مادورو، ينطوون تحت العباءة الأمريكية، من أجل الوصول الى الحكم لا أكثر. فيما تسعى واشنطن لكسر الجغرافيا السياسية الخطيرة، والتي تُهدِّد مصالحها. لنصل الى نتيجةٍ مفادها أن فنزويلا كما البرازيل، هي ضحية ممانعة السياسة الأمريكية.