الوقت - يمكن القول بأن مصطلح الإرهاب تم تداوله أكثر من غيره من المصطلحات في مختلف وسائل الإعلام منذ مطلع القرن الحادي والعشرين وحتى الآن.
وقبل حادثة إستهداف برج التجارة الأمريكي في 11 ايلول / سبتمبر عام 2001 كان مصطلح الإرهاب متداولاً في النصوص الإعلامية، لكن إستخدامه تضاعف كثيراً وبشكل ملحوظ بعد هذه الحادثة وغدت مفردات الإرهاب والحرب على الإرهاب تمثل المصطلحات الأبرز في الخطاب الإعلامي السائد خلال العقدين الأخيرين وفي مختلف أنحاء العالم.
وتجتاح البشرية اليوم موجة جديدة من الإرهاب يطلق عليها البعض إسم "الإرهاب الديني" الذي يروج أتباعه بأنهم يمثلون الفكر الديني ويحاربون من أجل "رفع كلمة الله في الارض"!. وقد إجتاح هذا النوع من الإرهاب كافة الدول ولم يستهدف مجتمعاً دون آخر أو بلد دون غيره من بلدان العالم.
ورغم تركيز الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم "داعش" على الدعوة لما يسمى "الإمارة الإسلامية" في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلاّ أن هذه الدعوة في الحقيقة لم تستثني باقي الدول في مختلف قارات العالم والتي صاحبها تنفيذ عمليات إرهابية تحت عنوان "الحرب بين الكفر والإيمان". وحسب الإحصائيات المتوفرة في الوقت الحاضر فإن سبعة في المئة من الوفيات في العالم تحصل بسبب التأثير المباشر للعمليات الإرهابية لهذه الجماعات.
ورغم مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب وتحديداً بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 والتي بدأتها بهجوم كاسح على أفغانستان بهدف القضاء على حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" إلاّ أنها لم تتمكن حتى الآن من وضع حد للإرهاب، أو تقليص مساحته وأضراره البشرية والمادية على الأقل. ليس هذا فحسب؛ بل زادت وتيرة الإرهاب أضعافاً مضاعفة خلال السنوات الأخيرة عمّا كانت عليه قبل عام 2001 وأصبحت حديث القاصي والداني في شتى بقاع الأرض.
وإنتشر الإرهاب بشكل فظيع جداً وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط لاسيّما بعد غزو أمريكا للعراق عام 2003 بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الإرهاب أيضاً، إلاّ أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي طرحت فيما بعد ما يسمى "مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" فشلت فشلاً ذريعاً في الحد من مخاطر الإرهاب الذي تنامى بشكل خطير جداً خلال السنوات الأخيرة لاسيّما بعد ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق وإرتكابه أبشع الجرائم تحت يافطات دينية بدعوى السعي لإقامة ما يسمى"الإمارة الإسلامية" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز وصولاً إلى شبه القارة الهندية.
ويمكن القول بأن فشل أمريكا وحلفائها الغربيين في محاربة الإرهاب يعود لسببين أساسيين؛ الأول يرتبط بطبيعة الآلية والإستراتيجية التي تنتهجها أمريكا وحلفاؤها في هذا المجال، والثاني يرتبط بعدم معالجة جذور الإرهاب من خلال معالجة أسبابه وتجفيف منابعه.
فالخطوة الأولى التي إتبعتها الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا لمواجهة الإرهاب تمثلت بتجييش الجيوش وإرسال قوات عسكرية ضخمة إلى الشرق الأوسط بهدف إحتلال بعض دوله كما حصل في العراق عام 2003، وهذا الأمر فتح الباب على مصراعيه للجماعات المتطرفة كي تبدأ عملياتها الإرهابية ضد شعوب المنطقة بحجة التصدي للمشروع الأمريكي، مستفيدة بشكل خاص من الظروف التي نجمت عن إحتلال العراق، ومن ثم الظروف المضطربة التي نشأت فيما بعد عمّا سمي بـ "الربيع العربي".
وتجلت العمليات الإرهابية بشكل واضح وملفت جداً في مطلع عام 2011 عندما إجتاح العديد من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة الأراضي السورية مدعومة من دول غربية وإقليمية في مقدمتها أمريكا والسعودية وقطر وتركيا بهدف إسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، قبل أن يتوسع نطاق تحرك هذه الجماعات إلى دول أخرى في المنطقة لاسيّما العراق وليبيا واليمن، وبنحو أقل إلى مصر وتونس والجزائر وغيرها من الدول.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العراق عانى كثيراً من الهجمات الإرهابية بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة منذ عام 2004 وحتى الآن بسبب نفوذ عدد من التنظيمات الإرهابية الى داخل هذا البلد لاسيّما تنظيم "القاعدة" في السابق و"داعش" في الوقت الحاضر.
ولم تكن الآلية التي إستخدمتها أمريكا في محاربة الإرهاب وخصوصاً الطائرات بدون طيار لضرب مقرات وقواعد الجماعات الإرهابية لاسيّما في أفغانستان واليمن موفقة وناجحة بسبب قدرة الجماعات الإرهابية على التنقل السريع وتغيير أماكنها في نفس هذه الدول، أو من دولة إلى أخرى. ووصل الأمر في هذا المجال إلى أن تتمكن هذه الجماعات من إختراق الدول الأوروبية مستفيدة من ظروف الهجرة والنزوح التي إجتاحت العديد من هذه الدول بسبب الحروب والأزمات المستعصية التي تعصف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق أخرى منذ عدّة سنين، وقد تمكنت هذه الجماعات خلال هذه المدة من إرتكاب العديد من الهجمات الإرهابية ضد مواطني ومؤسسات بعض الدول الأوروبية كما حصل في فرنسا وبلجيكا ودول أخرى.
السبب الثاني الذي أدى إلى فشل أمريكا وحلفائها الغربيين في محاربة الإرهاب يعود إلى عدم معالجة جذور هذه الظاهرة الخطرة عبر معالجة أسبابها التي تتمثل بالدرجة الأولى بشيوع الفقر والبطالة والجهل الذي يجتاح مناطق كثيرة في العالم ومن بينها الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد ساعدت هذه العوامل في تمكين الجماعات الإرهابية من إستقطاب الكثير من الشباب العاطل عن العمل وإغرائه بالمال والملذات، الى جانب ممارسة عملية غسيل دماغ واسعة من خلال الترويج للأفكار المتطرفة والهدّامة تحت شعارات دينية، مستندة في ذلك إلى فتاوى تكفيرية يطلقها عدد من دعاة الفكر الوهابي والسلفي المنحرف تحت مسمى "الجهاد" و "جهاد النكاح" وما إلى ذلك من أجل إصطياد أكبر عدد ممكن من الشباب وإيقاعه في هذا الفخ.
ولهذا يعتقد كافة الخبراء في شؤون محاربة الإرهاب بأن هذه الظاهرة الخطرة لا يمكن القضاء عليها بشكل جذري ما لم يتم القضاء على أسبابها وتجفيف منابعها من خلال إعتماد خطة متكاملة تقضي على الفقر والبطالة من جانب وتنشر مفاهيم المحبة والسلام والأخوة الإنسانية في ربوع العالم من جانب آخر، وعدم الإكتفاء بإطلاق التصريحات الرنّانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع في هذا المجال، وكذلك ملاحقة جميع الدول الداعمة للإرهاب، ووضع الأسس العلمية والعملية الكفيلة بالحد من إنتشار الإرهاب وتطويق أسبابه وتضييق حلقاته إلى أقل حد ممكن تمهيداً للقضاء عليه نهائياً من خلال تعاون جميع البلدان ومنظمات المجتمع الدولي الفاعلة في هذا المضمار.
ومن أهم الخطوات التي يجب الإسراع في تطبيقها لمحاربة الإرهاب القضاء على ما يسمى المدارس والمراكز الدينية التي تروج الفكر الوهابي والتكفيري المتطرف والذي تنفق السعودية من أجله مليارات الدولارات سنوياً لتخريج إرهابيين ومتطرفين وبثّهم في مختلف أنحاء العالم، وتمويلهم في أحيان كثيرة بالمال والسلاح لتنفيذ عمليات إجرامية ضد كل من يخالف هذا الفكر المنحرف. ولا يقتصر هذا الأمر على الدول الإسلامية؛ بل إنتشر ليشمل دولاً أخرى بينها الدول الأوروبية كما أشرنا سابقاً.
ورغم الدعوات الملحة التي أطلقتها الكثير من الدول والمنظمات الأممية لمواجهة خطر الإرهاب المدعوم سعودياً لا زال هذا الخطر يجتاح العالم ويحصد أرواح الآلاف من البشر سنوياً. ويجب أن لا ننسى هنا الدور الذي تلعبه الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" كوسيلة إستفادت منها الجماعات الإرهابية لترويج أفكارها المدمرة عبر نشر صور وأفلام فيديو تبث الرعب في نفوس الأبرياء من أجل خلق جو من الإضطراب والفوضى في أوساط الدول والشعوب التي تستهدفها هذه الجماعات، وهنا لابدّ من التأكيد على ضرورة إتخاذ تدابير صارمة تحد من خطر هذه الوسيلة من خلال فرض رقابة مشددة على المؤسسات والدول الداعمة لها.
ومن الإنصاف القول بأن الإرهاب ليس وليد منطقة الشرق الأوسط؛ بل تشترك فيه دول وأطراف كثيرة من مختلف أنحاء العالم ومن بينها دول غربية وعلى رأسها أمريكا التي شجعت على الإرهاب، أو غضّت الطرف عن الجماعات الإرهابية في بادئ الأمر إلى أن إستفحل أمرها ولم يعد بالإمكان السيطرة على مخاطرها وتداعياتها ما لم تكن هذه الدول جادّة في محاربة هذه الظاهرة التي تدفع دول الشرق الأوسط فاتورتها أكثر من أي منطقة أخرى بسبب التدخلات الأجنبية في شؤون هذه المنطقة المهمة والحسّاسة من العالم.