الوقت - أرخى الخلاف القائم بين السعودية وإيران بظلاله على فريضة الحج إلى بيت الله الحرام حيث إتهمت كل دولة نظيرتها بالوقوف خلف منع الحجاج الإيرانيين من التوجه إلى مكّة. ففي حين قال مجلس الوزراء السعودي في جلسته الأخيرة إن "قرار منع المواطنين الإيرانيين من القدوم للحج يعود إلى المسؤولين الإيرانيين وسيكونون مسؤولين أمام الله وأمام العالم أجمع"، دعت منظمة الحج والزيارة في الجمهورية الاسلامية الإيرانية، الحكومة السعودية الى توفير ارضية ايفاد الحجاج الإيرانيين لاداء فريضة الحج في أسرع وقت ممكن، ورفع العراقيل التي وضعها الطرف السعودي في طريق المفاوضات بين الجانبين.
بعيداً عن الإتهامات الإعلامية، وفيما لو أردنا تقييم الموقف بين البلدين، لابد من فصله عن الخلاف السياسي القائم بين السعودية وإيران، بإعتبار أن الحج فرضية على كل مسلم ومسلمة، وهذا الموسم ليس ميدانا لنقل الخلافات، وتصفية المواقف، وبالتالي لا بد من فصله عن الخلافات السياسية في سوريا واليمن، وكذلك، العلاقات الدبلوماسيّة المنقطعة بين البلدين.
المحادثات التي إنطلقت أولى جلساتها في مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، شهدت حالة من الشدّ والمدّ، إلا أن نتائج الجلسات الأخيرة تشير حتّى كتابة هذه السطور إلى استبعاد إيفاد الحجاج الإيرانيين إلى الديار المقدسة هذا العام، وفق ما أعلن عضو الهيئة الرئاسية في تكتل الحج والزيارة في مجلس الشورى الاسلامي مرتضى حسيني.
السعودية حمّلت طهران مسؤولية منع الحجاج الإيرانيين من أداء هذه الشعيرة، متهمةً الأخيرة بتسييس فريضة الحج، وقد أضاف بيان مجلس الوزراء أن "المملكة انطلاقاً من واجباتها ومسؤوليتها تجاه خدمة ضيوف بيت الله تؤكد أنها قيادة وحكومة وشعباً ترحب وتتشرف بخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار من جميع الجنسيات وهي لم تمنع أي مسلم من القدوم إلى الأراضي المقدسة"، رغم أنها تمنع الشعب السوري منذ العام 2012 من أداء فريضة الحج لدواعٍ أمنية، وقد ألحقت الشعب اليمني العام الماضي بنظيره السوري للأسباب نفسها.
لم تقتصر الإتهامات السعودية لطهران على الأجهزة الرسمية، بل حذر خطيب المسجد الحرام صالح بن حميد الجمعة من استغلال موسم الحج "لاغراض مسيسة" منددا بمحاولات "التشويش على المسلمين ونشر الفوضى والبلبلة" في اشارة الى الايرانيين على ما يبدو. هذا ما أعلنته السعودية، فكيف تجيب طهران على هذه الإتهامات التي، لو صحّت، تضعها أمام مأزق كبير في الداخل بإعتبار أن المواطن الإيراني ينتظر حوالي 20 سنة ليتمكّن من أداء هذه الفريضة؟
رغم أن موسم الحج ليس ميدانا لنقل الخلافات، وتصفية المواقف، إلاّ أن أحداث العام الماضي بدءاً من الرافعة، وليس إنتهاءً بكارثة منى التي حصدت أكثر من 2000 حاج (بينهم 464 حاج إيراني)، دفعت بطهران لبحث أمن حجّاجها مع الجانب السعودي بإعتبار أن أداء الحج غير واجب عند الشعور بالخطر، وفق ما أعلن المرجع الديني الشيعي آية الله حسين نوري همداني.
السعودية التي رفضت المسائلة أو المحاسبة بعد كارثة منى، بل بارك الملك سلمان لولي عهده محمد بن نايف نجاح موسم الحج، لم تكتف برفض الدخول في هذه التفاصيل، بل أخذت زمام المبادرة للهجوم على طهران عبر أساليب عدّة منها عدم السماح باقامة دعاء كميل ومراسم البراءة بذريعة أنها تعكّر صفوة الحجّاج، رغم أنها تقام منذ عشرات السنين.
لم تكتف الرياض بهذا الشرط الذي تحدّث عنه خطيب المسجد الحرام صالح بن حميد، بل عمدت الحكومة السعودية إلى منع الحجاج الإيرانيين من أداء فريضة الحج هذا العام عبر التأجيل في مسير المفاوضات وقبول شروط إيران، وفق مؤسسة الحج الإيرانية. توضح مؤسسة الحج أن مطالب طهران ليست سياسيّة، بل تهدف لتوفير الأمن وصون كرامة الحجاج حتى لا تتكرّر أحداث العام الماضي.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابري أنصاري أشار إلى نقطة أخرى من النقاط الخلافية التي تتعلق بإصدار التأشيرات ونقل الحجاج الإيرانيين إلى بيت الله الحرام، لتتحدث مصادر متابعة عن بعض "الشروط التعجيزية" التي فرضتها السعودية على الحجاج دون منعهم بشكل مباشر، ومن جملة هذه الشروط، أولاً أن يحصّل كل حاج تأشيرته عبر دولة ثالثة، فلا تؤخذ من داخل ايران، ثانياً أن يتم نقل الحجيج الايرانيين والذين يقدر عديدهم بحوالي 64 الف حاج من ايران الى مكّة من خلال طيران دولة ثالثة، ومنع نقلهم من خلال الطائرات الايرانية، وثالثاً رفض إقتراح إيران برعاية سويسرا المصالح الايرانية للحجيج أثناء الحج والإقتصار على اللجنة التي ترافقهم.
لا يزال الباب مورباً حتى الساعة رغم أن السعودية أغلقت أغلب الأبواب حيث لم يقطع كلا الطرفين شعرة معاوية، إلا أن الشروط السعودية تؤكد أنها من يسيّس الحج ويستخدمه لمصالحها السياسية كما فعلت مع كل من سوريا واليمن، وبالتالي، فهي من يتحمّل مسؤولية منع المواطنين الإيرانيين من القدوم للحج أمام الله وأمام العالم أجمع.