الوقت- من البديهي أن نتساءل ما الذي سيحل بالقطاع السياحي في مصر في ظل الوضع الراهن الذي تعاني منه أم الدنيا من فترات متتالية و مستمرة من الأحداث و الإضطرابات و تلاها الضربات الإرهابية المستجدة، خاصة أن السياحة في مصر تحتل حيزاً كبيراً من السياحة العالمية عموماً و من الدخل المصري السنوي و بالتالي الإقتصاد المصري كما انها أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية في مصر، فما الذي يُخبأ لهذا القطاع؟ و هل مصر قادرة على القيام بمبادرات جديدة تنتشلها من ورطتها و تكون كفيلة لإقناع السائح بالقدوم إلى مصرمجدداً؟ و أين الإقتصاد من كل هذا؟
الأزمة السياسة بداية السقوط
عانت مصر من إرتفاع مزمن لمعدلات الفقر والبطالة، وتدهور الخدمات العامة والبنية التحتية، والعجز المتزايد في ميزانية الدولة، والديون الخارجية المرتفعة، وكذلك الفوارق المتزايدة بين الأغنياء والفقراء.. و و غيرها من القضايا التي فشل نظام مبارك في حلها على مدي ثلاثة عقود في السلطة، و مع التغيير الذي حصل في مصر على صعيد السلطة لم يكن الوضع المستجد أفضل حالاً، لا بل على العكس.
فمع بداية الأزمات السياسية في مصر و المظاهرات التي رافقتها و الوضع الغير مستقر بسبب التحركات الشعبية التي أطاحت بالسلطة في مصر لمرتين متتاليتين و لا نزال نشهدها اليوم بسبب بعض المشاكل السياسية، أصاب الشلل القطاع المصرفي المصري و ذلك بعد قرار البنك المركزي إغلاق بنوك البلاد آنذاك لأجل غير محدد، كما ضاعف المشكلة اغلاق المحلات و الأسواق التجارية أبوابها خشية أن تطالها أعمال السلب والنهب، كما زاد المعاناة المصرية آنذاك قرار وكالة "موديز" تخفيض التصنيف الائتماني لمصر بدرجة واحدة، كما غيرت توقعاتها للتصنيف من مستقرة إلى سلبية.
فضلاً عن تأثير الاضطرابات على البورصة المصرية التي أغلقت أبوابها لفترات ليست بقليلة أيام المظاهرات. و هذا التأثير امتد إلى الأسواق الأوروبية التي اتسمت تداولاتها بالتذبذب في ذلك الوقت، و كان لقطاعي الطيران والسياحة النصيب الأكبر من الخسائر الفادحة في مصر، علاوة على ارتفاع سعر النفط الخام في تلك الفترة ليصل إلى حدود غير مسبوقة آنذاك.
في مواجهة هذه التطورات عمل النظام الحالي و على رأسه الرئيس"السيسي" على إيجاد حلول للقيام بالاقتصاد المصري من جديد، فدعت مصر لمؤتمرات اقتصادية عالمية و شجّعت على الاستثمار و ووسعت قناة النيل و أبرمت عقوداً مع دول مختلفة إقليمية و عالمية، و لكن خيبة الأمل كانت بعدم الوصل إلى الإنماء المطلوب للنهوض بالاقتصاد المصري، فالمشاريع و الاستثمارات و العقود التي أبرمت إضافة للهبات التي حصلت عليها مصر لم تكن كافية أو على قدر التوقعات، خاصة ان مصر تنازلت كثيراً من أجل الحصول على هذه المبالغ على صعد عدة، منها سياسية و سيادية و غيرها.
لذا كان على السلطة في مصر العمل على مجالات أخرى تساعدها في القيام بالاقتصاد المصري، و لكن هنا جاءت العوامل المخرّبة، و التي أطلقت رصاصة الرحمة على آمال الاقتصاديين، فجاء الارهاب ليعيث خراباً في دولة عربية جديدة.
هجمات سيناء و أزمة أمن الرحلات الجوّية زادت الطينة بلّة
جاءت الهجمات الارهابية التي ضربت مصر عامة و سيناء خاصة، و التي باتت مركزاً لعمليات الارهابيين على الأراضي المصرية و التي راح ضحية هجماتها الكثير من الشهداء و الجرحى و تزامنها مع الاضطرابات السياسية في البلاد و استمرارها حتى يومنا هذا لتكون بمثابة رصاصة الرحمة على قطاع السياحة و الاقتصاد، من خلال عوامل عدة أهمها إبعاد الاستثمارات الأجنبية و تضعيف واردات القطاع السياحي المُسهم كثيراً في الاقتصاد المصري.
فتراجع النشاط السياحي في مصر عامة حتى وصل الى معدلات انخفاض خيالية، اذ تراجع عدد السياح بإطراد منذ عام 2011 العامل الذي دفع العديد من شركات السياحة المصرية إلى الإفلاس.
وبدأت أزمة أمن المطارات و الطيران المصرية عقب سقوط الطائرة الروسية، التي كانت تقل 224 من الركاب وأفراد الطاقم، في منطقة جبلية بشبه جزيرة سيناء، في أكتوبر العام الماضي،و هي التي زادت الأزمة الاقتصادية و السياحية تعقيداً، و عملت مصر بعد ذلك على محاولة لملمت الوضع و الخروج من المشكلة المستجدة إلا انها لم تستطع.
فقد جاء خبر اختطاف طائرة مصرية أخرى كانت متوجهة الى الاسكندرية و أخذها الى اليونان كالصاعقة على الحكومة المصرية التي حاولت طمأنة العالم حول استدراكها لمشكلة أمن المطارات بعد سقوط الطائرة الروسية، و فقد العالم الثقة بقدرة الأمن المصري و بدأت الشركات العالمية و أهمها البريطانية و الأمريكية بالغاء عقودها و رحلتها الى مصر بسبب المخاوف الأمنية، و لكي تكتمل الصورة و يتيقن العالم ان مصر تعاني من أزمة أمنية في مطاراتها و أن أمنها الحيوي في خطر سقطت طائرة مصرية جديدة كانت تتوجه من فرنسا الى مصر و على متنها 58 راكباً، و بذلك تكون روح القطاع السياحي في مصر قد لفظت النفس الأخير، و لذلك تبعات خطيرة و كبيرة على الاقتصاد المصري.
فكتبت تقارير صحفية و مؤسسات اقتصادية عالمية أن الاقتصاد المصري الى تدهور، و لن يتعافى بسهولة من أزمته الحالية و المشكلة الأمنية زادت وضعه خراباً، خصوصاً أن مشهد خلاء المنتجعات و المرافق السياحية و التاريخية من السيّاح في مصر بات عادياً، و الكثير من المؤسسات الكبرى في البلاد باتت على شفير اللإفلاس.
كم يحتاج القطاع السياحي للتعافي؟
التقارير العلمية التي تدرس احتمالات مدة تعافي الاقتصاد من الأزمة التي تطرأ على البلدان في الظروف العادية مثل دراسة من مجلس السفر والسياحة العالمي هي كالتالي.
السياحة تستغرق نحو 13 شهرا للتعافي من أي هجوم إرهابي قد يؤثر على تدفق السائحين.
وعلى سبيل المقارنة، أجرى المجلس دراسة بين تأثر السياحة بعدة مؤثرات خارجية، فوجد أن عودة النشاط السياحي يستغرق وقتا أطول إذا كانت المدن السياحية تعرضت لمرض ( 21 شهرا ).
وإذا تعرضت لكارثة بيئية فيستغرق عودة النشاط السياحي (24 شهرا)، وعند تعرض المدن لاضطرابات سياسية تستغرق عودة السياحة إليها (27 شهرا).
فيما يستغرق انتعاش السياحة في أعقاب كارثة طبيعية وقتا أطول لأنه غالبا ما يتطلب إعادة بناء البنية التحتية في كثير من الأحيان.
و تكون هذه الدراسات تفائلية إلى حد ما في الوضع المصري، الذي يعاني هو بالأساس من مشاكل سابقة و الظروف التي سبقت الأزمة السياحية بالطبع لم تكن عادية، بل استثنائية الى أبعد حدود.
فما الذي بقي في جعبة السلطة في مصر؟ أم أن جعبتهم فرغت منذ البداية؟ وكيف سيستعيد الاقتصاد المصري عافيته في ظروف استثنائية كهذه، خاصة ان الدول العربية كافة تعاني و لا سبيل لدعم مادي إضافي؟ و هل تدفع مصر ثمن خياراتها السياسية؟ و كيف ستكون ردة فعل الشعب المصري الذي ضاق ذرعاً بسبب تدهور الأوضاع السياسية و الاقتصادية؟