الوقت - طُرحت في الآونة الاخيرة الكثير من التحليلات بشأن أسباب إندلاع الأزمة السورية ودوافع توقيتها في هذه المرحلة. وقد كتبت العديد من هذه التحليلات من قبل خبراء معروفين في شؤون الشرق الأوسط وإستناداً إلى مصادر موثوقة ومعتبرة. ومن بين هؤلاء الخبراء "روبرت فيسك" الصحفي البارز في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية الذي ينقل عن وثائق متعددة تشير إلى أن النظام السعودي إتخذ قراراً لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة بعد حادثة إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 وإتهامه من قبل الرياض بالتورط في هذه الحادثة.
وتشير الوثائق التي إستند عليها "فيسك" إلى أن الحرب على سوريا بدأ التخطيط لها في عام 2005 أي قبل نحو ست سنوات من إندلاعها في منتصف شهر آذار/مارس عام 2011 وذلك من خلال تمويل وتسليح الجماعات المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد.
ويذكر "فيسك" في كتاباته أنه كان قريباً من الرئيس السوري عندما أذيع خبر إغتيال رفيق الحريري، مشيراً إلى أن الأسد قد استغرب وتفاجأ بهذا الخبر، مؤكداً في الوقت نفسه أن النظام السعودي حاول إستغلال هذه الحادثة من أجل الضغط على سوريا والعمل على إسقاط نظامها بأي ثمن.
وأضاف فيسك ان النظام السعودي سعى في بداية تحركه في هذا الإطار إلى اخراج القوات السورية من لبنان، في مخالفة واضحة وصريحة لنص بنود إتفاق الطائف.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المحكمة الدولية الخاصة بمتابعة قضية إغتيال رفيق الحريري لم تتوقف عن الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد بتحريض من السعودية، إلاّ أن هذه الضغوط توقفت بعد إنطلاق الجماعات الإرهابية بشن هجمات على القوات والمؤسسات السورية وترويع المواطنين السوريين من أجل الضغط على نظام حكم الأسد والتمهيد لإسقاطه.
وقبل مدة كشف رئيس الوزراء القطري السابق "الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني" خلال مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الأوروبية النقاب عن أن السعودية كانت قد إتخذت قرار الهجوم على سوريا قبل سنوات من حادثة إغتيال رفيق الحريري. وتطرق حمد بن جاسم في هذه المقابلة إلى شرح كثير من التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع.
ومن خلال أقوال "روبرت فيسك" و"الشيخ حمد بن جاسم" وآخرين يمكن الإستنتاج بأن السعودية سعت لإستغلال الظروف الإقليمية من أجل زعزعة الوضع الأمني في سوريا بحجة الدفاع عن الشعب السوري.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن النظام السعودي هو الذي أشعل الحرب في سوريا رغبة في الإنتقام والثأر من نظام الأسد، كما يعتقد البعض بأن النظام السعودي هو الذي حرّض على قتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي إنتقاماً للملك السعودي السابق "عبد الله بن عبد العزيز آل سعود" بسبب عدم إحترام القذافي له أثناء إنعقاد قمة الجامعة العربية في العاصمة القطرية "الدوحة" عام 2009.
ويعتقد المراقبون أيضاً بأن إنتصار حزب الله على الكيان الإسرائيلي ودحر عدوانه على لبنان في تموز/ يوليو عام 2006، والذي إستغرق 33 يوماً، ودور سوريا الفاعل في تحقيق هذا الإنتصار من خلال دعمها المؤثر للمقاومة في لبنان، دفع تل أبيب للتخطيط لمهاجمة سوريا والقضاء على نظام حكم الرئيس بشار الأسد، وهناك تقارير كثيرة في هذا السياق تؤكد بأن الكيان الإسرائيلي بدأ بتمويل المعارضين لنظام الأسد وتدريبهم على السلاح منذ أواخر عام 2007.
وينبغي التأكيد هنا على أن الحرب على سوريا بدأت بتنسيق كامل بين السعودية والكيان الإسرائيلي وبدوافع مشتركة تهدف بالدرجة الأولى إلى إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد. وهو ما يؤكده أرشيف الوثائق للأعوام 2004 و 2005 و 2006 والتي تشير أيضاً إلى أن السعودية تعهدت بدفع تكاليف العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 قبل وقوعه، كما تعهدت بدعم الكيان الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة في أواخر عام 2008 والذي إستمر 22 يوماً وأدى إلى إستشهاد وجرج عدد كبير من الفلسطينيين. وهذا الأمر يعزز الإعتقاد بأن النظام السعودي والكيان الإسرائيلي قد نسقا فيما بينهما لمهاجمة سوريا.
ويصنف المختصون الحرب على سوريا بأنها من أقذر الحروب التي شهدتها المنطقة لأنها إستهدفت البنى التحتية لدولة يعيش شعبها ظروفاً إقتصادية صعبة، وأستخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة الفتاكة من قبل الجماعات الإرهابية المدعومة من السعودية ودول إقليمية أخرى بينها قطر وتركيا وعدد من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا.
وعلى الرغم من الجرائم البشعة التي أرتكبت بحقه تمكن الشعب السوري وقواه المسلحة وبدعم من الدول الصديقة وفي مقدمتها إيران وروسيا إلى جانب قوى المقاومة وفي طليعتها حزب الله وفصائل المقاومة العراقية والأفغانية المنضوية تحت لوائي الفاطميين والزينبيين من الصمود والمقاومة بوجه هذا العدوان، وبذل هذا الشعب الغالي والنفيس في سبيل إنقاذ بلده من هذه الهجمة الشرسة وضحّى من أجل ذلك ولا زال يضحي بأعزّ أبنائه.
وتعد الحرب الشاملة في سوريا من أعقد أنواع الحروب في العالم لتدخل الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية فيها. ففي الوقت الذي تحقق فيه القوات السورية والقوات الداعمة لها لاسيّما الإيرانية والروسية وحزب الله وباقي قوى المقاومة إنتصارات متتالية على الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل السعودية وقطر وتركيا، نرى أطرافاً أخرى مشاركة في هذه الحرب كروسيا وأمريكا تتفق على وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات سياسية بشأن الأزمة السورية.
ومن المعلوم أن أمريكا والسعودية والجماعات الإرهابية في سوريا وفي مقدمتها تنظيم "داعش" والتي تمثل أطرافاً أساسية في هذه الحرب تستهدف أيضاً إضعاف قوة إيران وإقتدارها في المنطقة وبالتالي تهديد أمنها وإستقرارها في المستقبل، ولهذا بات من حق إيران الدفاع عن سوريا الحليفة لها بإعتبار أن ذلك يمثل دفاعاً عن أمنها وإستقرارها هي، ودفاعاً عن محور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.
الدکتور سعدالله زارعي خبير في شؤون الشرق الأوسط