الوقت- مصر بلا برلمان منذ حزيران/يونيو. فقد تم حل مجلس الشعب الذي انتخب عقب إسقاط مبارك قبيل تولي محمد مرسي الرئاسة في 30 حزيران/يونيو 2012، واحتفظ حينها مرسي بالسلطتين التشريعية والتنفيذية إلى أن تم عزله في يوليو/تموز 2013، لتنتقل السلطتان بعد ذلك إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور ثم إلى السيسي بعد انتخابه رئيسا في أيار/مايو الماضي.
ووفقاً لخارطة الطريق التي أعلنها السيسي عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، فقد كان من المقرر اجراء الانتخابات البرلمانية قبل الانتخابات الرئاسية، أي في كانون الثاني/يناير 2014، لكن هذه الانتخابات تأجلت لأكثر من عام، حتى تقرر اجراؤها في آذار/مارس المقبل.
أوساط مطلعة في الداخل المصري عزت تأجيل الانتخابات البرلمانية كل هذه المدة، لعدم رغبة السيسي في تشكيل برلمان يعارضه أو يسبب له الازعاج، فقد كان أمام السيسي العديد من الخطوات قبل اجراء الانتخابات البرلمانية، عمل من خلالها على استبعاد الاسلاميين من البرلمان وحظر حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي وتصنيفه "تنظيما إرهابيا".
كما أن القلق من عودة الاسلاميين قد يكون أحد الأسباب التي دعت السيسي لتأجيل الانتخابات حتى اليوم، خاصة وأن قانون مباشرة الانتخابات البرلمانية، الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، يسمح بانتخاب عدد كبير من المستقلين وفق النظام الفردي، حيث يبلغ عدد مقاعد البرلمان المقبل 567 مقعدًا (420 مقعدًا يتم انتخابهم بالنظام الفردي و120 بنظام القائمة و27 يعينهم رئيس البلاد)، مما قد يسمح بعودة عدد كبير من الاسلاميين إلى البرلمان كأعضاء مستقلين رغم حل احزابهم.
واليوم بين الشد والجذب والمعارض والمؤيد والمقاطع والمشارك يبدأ التحضير لهذه الانتخابات البرلمانية، لكن فى ظل التحضير هناك بعض القيادات الثورية التي كان لها الدور الداعم والرئيس في ثورتي مصر بين يناير ويونيو، كما كان لهم فضل كبير في سقوط الفلول ومن بعدهم الإخوان، ولأول مرة فى تاريخ مصر تبدأ انتخابات برلمانية بدون قيادات الإخوان المسلمين، حيث يواجه أغلبهم أحكامًا غليظة داخل السجون المصرية.
ولا يتوقف الأمر على قيادات الأخوان المسلمين، بل إن السجون المصرية تضم أيضاً عدد من شباب الثورة، المحبوسين بموجب حكم قضائي بتهمة اختراق قانون التظاهر، الذي أعدته هذه السلطة بعدما أتت بالتظاهر من الأساس، والبعض الآخر محبوس احتياطيًّا، والباقون تتم مطارداتهم كلما أرادوا التعبير عن آرائهم، وبالتالى أصبح النظام مسيطرًا تمام السيطرة على هذا البرلمان، الذي سيكون مؤيدًا للنظام تمام ولا يجد أي صوت معارض حقيقي داخله.
ويصف مراقبون دعوة السيسي إلى اندماج الاحزاب في قائمة انتخابية واحدة، استكمالاً للخطوات التي بدأها للسيطرة على البرلمان المقبل، حيث أن مطلب السيسي باندماج الأحزاب في قائمة واحدة يؤدي إلى تشكيل قائمة ستكون مدعومة منه شخصيًا وذلك يعني أن فرصها ستكون الأقوى جبريًا وباقي الأحزاب الغير منضمة لتلك القائمة لن يكون لها أي مكان.
وبالفعل واستجابة لدعوة السيسي اعلن نحو 19 حزبا سياسيا مصريا من بينهم "الوفد والتجمع والناصري" تدشين تحالف سياسي انتخابي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة تحت قائمة موحدة. وقالت الاحزاب في مؤتمر صحفي بالقاهرة ان اختيار المرشحين لن يكون علي اساس التمييز أو المحاصصة بين الأحزاب وانما وفقا لمعايير الكفاءة.
من ناحية اخرى القى النظام الفردي في الانتخابات البرلمانية المصرية والذي يسمح بانتخاب عدد كبير من المرشحين المستقلين، بظلاله على أجواء العملية الانتخابية في الشارع المصري، حيث انطقت الحملات الدعائية غير الرسمية لمرشحي الانتخابات المصرية، صاحبتها مخاوف من تحكم أصحاب الأموال في البرلمان المقبل، وخاصة مع غزارة الدعايات الفردية لعدد من المرشحين، الأمر الذي يعيد للأذهان سيطرة المال السياسي على الانتخابات، كما في السنوات الماضية.
وفي سياق متصل رفض البرلمان الأوربي الاشراف على الانتخابات البرلمانية المصرية المقبلة و أعلن أنّه من غير المناسب إرسال بعثة مراقبين إلى مصر لمتابعة الانتخابات التشريعية المقبلة (من آذار إلى أيار)، مشيراً إلى أن ذلك قد "يسيء بشكل خطير إلى صدقيتها (البعثة)"، وذلك بالاستناد إلى تأكيد النواب الأوروبيين أن الاقتراع السابق (الانتخابات الرئاسية) الذي جرى في أيار الماضي لم "يستكمل المعايير الدولية".
لا شك أن الحظ يبتسم للرئيس السيسي هذه الأيام، في ظل الدعم الذي يتلقاه من دول مهمة في العالم والمنطقة، مما يسهل عليه مهمة التخلص من خصومه، إلا أن المبالغة في القدرة والسلطة وتصفية الخصوم لاشك سيقلص من أيام شهر العسل الذي يعيشه، خاصة وأن مصر في عهد السيسي من ناحية حرية التعبير وقمع الحريات بدأت تسير على نفس خطى مصر في عهد مبارك.