الوقت - ما زالت اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية الخاصة بجزيرتي تيران وصنافير تتفاعل فصولاً. ربما لن يقتصر المشهد في الأيام المقبلة على الغضب الشعبي تجاه القضية بل يبدو أنه سيعرف طريقه إلى أروقة المحاكم والقضاء. يقول رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام إن الأرض لمن يدافع عنها بالدم ولمن يبذل الغالي والنفيس من أجلها، ومن هنا فلا نقاش في ملكية مصر للجزيرتين، عدا عن الوثائق التي تثبت ذلك ومنها وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة. فلم تعد المسألة محصورة بملكية مصر أو السعودية للجزيرتين بقدر ما أصبحت مسألة أمن قومي مصري وعربي، وهنا السؤال حول الکيان الإسرائيلي، الذي تعمّد رئيس وزرائه عقد جلسة لأعضاء حكومته في الجولان وأراد إيصال رسائل متعددة للداخل والخارج لعل أهمها الرغبة بالتمسّك بأرض، ولو أنها ليست له، إلى الأبد.
وفي خضم معركة الأرض والوطن يستمر التطاحن العربي العربي في الساحات العربية وفي العواصم الغربية حول سوريا والعراق واليمن وليبيا، وحول الأوزان والأحجام في المنطقة، فيما تغيب فلسطين تماماً عن المشهد، تمضي السعودية في معركتها ضد ايران، حيث ظهر ذلك جلياً في القمة الأمريكية الخليجية التي رفضت خلالها الدول الخليجية دعوة أوباما الى الحوار مع ايران، وقبلها كان الموقف مماثلاً في قمة منظمة التعاون الاسلامي، وظهر أكثر جلاءاً في استعداد البحرين لاصدار بيان يعلن الحرب على حزب الله. وهنا تبرز أسئلة عديدة، لماذا كل هذا التوتر والتحريض؟ ولماذا تتزامن تصريحات العربية وتتطابق تماماً مع ما يدعو اليه ويريده الکيان الإسرائيلي، ثم هل صحيح أن الکيان الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من تسلم السعودية السيطرة على جزيرتي صنافير وتيران؟ ما تأثير ما جرى على أمن مصر وعلى أمن العرب؟
لنبدأ أولاً بتعريف الأمن القومي العربي، أو الأمن الاستراتيجي العربي لننطلق منه الى خطورة ما حدث وما يحدث على كافة الساحات العربية. الأمن القومي وبشكل عام هو المنظومة التي تؤسسها الدولة لحماية نفسها وحماية مواطنيها من المخاطر والتهديدات الوجودية على الصعد المختلفة العسكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها. اما استراتيجية الأمن القومي هي الخطوات والرؤية التي تعزز تلك المنظومة وأهم شيء في تلك الاستراتيجية هو القدرة على تحديد تلك التهديدات بشكل "صحيح"، وهنا يصبح السؤال ما هو التهديد الاستراتيجي الأكبر للأمن القومي العربي؟ فهل هو الکيان الإسرائيلي وسعي الغرب للهيمنة على هذه المنطقة وثرواتها وامكانياتها وسعي لتفكيك هذه المنطقة على أسس مذهبية وغيرها؟ أم أن الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي هو داخلي بمعنى أن نشخص الخطر بهذه الطائفة أو تلك أو هذه الدولة أو تلك. من هنا يعتقد المحللون أن ما يجري اليوم وخصوصاً ما تقوم به السعودية والدول الخليجية الأخرى هو أكبر تهديد للأمن القومي العربي وذلك بتعزيز تحالفها مع الکيان الإسرائيلي خلال الفترة الماضية بزعم محاربة النفوذ الايراني وغيرها، أيضاً انتقال الجزيرتين المصريتين الى العهدة السعودية تحت رعاية إسرائيلية من أجل ادخال الکيان الإسرائيلي الى نسيج المنطقة استراتيجياً وأمنياً وفي سياق تورط السعودية في كمب ديفيد وغيرها من الخطوات، وتزعم هذه الدول الدفاع عن العروبة، فيما هي في الواقع خطوات مدمرة للعروبة بغطاء عروبي زائف.
الفائدة الاسرائيلية
كثيرون تحدثوا عن استفادة الکيان الإسرائيلي مما جرى ويجري تحديداً بالنسبة لجزيرتي تيران وصنافير، حيث قال أمير أرون المحلل العسكري الاسرائيلي في صحيفة هآرست الاسرائيلية إن "نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر الى السعودية هي صفقة جيدة لاسرائيل وتحتوي على الكثير من الايجابيات لنا حيث من الممكن التفكير في توسيع الاطار الضيق لتبادل الأراضي المقترح بين اسرائيل والفلسطينيين، وتصبح ضمن صفقة رباعية تشمل مصر عبر تأجير جزء من سيناء يضم الى غزة، والسعودية عبر اعطاء المصريين قطعة من الضفة الشرقية للبحر الأحمر مقابل اعترافها بمكنتها في الحرم المقدسي، والأردن وربما تضاف سوريا الى النادي من خلال تأجير اسرائيل منطقة حيوية في الجولان." ويسمي أرون هذه اللعبة بـ "التعاون الاقليمي لتحقيق المصالح المتبادلة للجميع، وصفقة الجزيرتين تشكل مثلاً جيداً لفكرة ابداعية تستحق التقليد".
أما على الصعيد المصري، فيعتبر محللون مصريون بأنه في حال أقر البرلمان المصري هذا القرار، تفقد مصر القدرة على اغلاق مضيق تيران، وذلك بمعناه العسكري الغاء التهديد المصري لحركة الملاحة الإسرائيلية في حال نشوب الحرب بين الطرفين، وأيضاً يقول أحمد النجار الذي اضطر الى نشر مقاله على الفيسبوك بعد منع جريدة الأهرام نشر مقاله في الجريدة، يقول "سواء في التاريخ القديم أو الجديد والخرائط المتاحة من تلك العصور فان الجزيرتين والبحر الأحمر وخليج العقبة كانت تحت سيادة مصر أياً كانت الدولة التي تحكمها، عندما احتاجت الجزيرتان الى الدفاع عنهما وبذل الدماء لأجلهما في الصراع مع الکيان الإسرائيلي لم يكن هناك سوى مصر وجنودها الذين دفعوا دماءهم وأرواحهم دفاعاً عن الجزيرتين ووثقوا بالدم ملكية مصر لهما، ففقه تأسيس وحماية الأوطان لا يتضم المقايضة والتأجير لأن الوطن ليس غرفة للايجار ولا يعار في الوغى ويستعاد وقت السلم وبالتالي ان القول بأن السعودية قد تخلت عن الجزيرتين الى مصر لتفادي ما يتطلب الدفاع عنهما من مواجهة مع الکيان الإسرائيلي الطامع فيهما وأن له الحق في استعادتهما هو قول يتناقض كلياً مع مفهوم الوطن ومقتضيات الانتماء اليه.
اذاً أين هو الأمن الاستراتيجي العربي الذي تتكلم عنه السعودية وأذنابها؟ وهل أصبح الأمن العربي يتقاطع مع الأمن الإسرائيلي ؟ وهل سيبيع "عوّاد" أي الرئيس المصري السيسي ما قام به "عبد الناصر"؟ أين مصريو عبد الناصر الأحرار؟ ولماذا السكوت حتى الآن على "عواد"؟ أسئلة كثيرة وأكثر، ربما الزمن يكشف عن أجوبتها. وفي الختام نقول ل"عواد" الوطن لا يُعار في الوغى ويُستعاد وقت السلم.