الوقت- وقعت الهجمات الإرهابية في باريس في الوقت الذي تشهد فيه اتفاقية شنغن المزيد من المخاطر يوماً بعد يوم، وفقدت خلال السنوات الأخيرة بریقها الماضي في القارة الخضراء.
وقد لعب تفاقم أزمة اليورو و وصول دول غير متجانسة إلى السلطة في الاتحاد الأوروبي، ونظرتها المختلفة إلی قضية الهجرة، دوراً هاماً في إضعاف هذا الاتفاق الجماعي.
ومنذ عام 2012 إلی الآن، وجد "إضعاف اتفاقیة شنغن في أوروبا" مصادیق خاصة، فمنذ وقت ليس ببعيد، انتقدت دول الاتحاد الأوروبي التي تتولى السيطرة على الحدود والرسوم الجمركية الخاصة بها من خلال تنفيذ اتفاقیة شنغن، انتقدت قرار الدنمارك الأحادي الجانب في إعادة تطبيق مراقبة الحدود والجمارك، وکانت الحكومة الدنماركية السابقة قد أعلنت أنها ستستأنف مراقبة الحدود والجمارك وترصد حركة المرور، معتبرة أن سبب ذلك هو منع دخول اللاجئين غير الشرعيين. وقد أثار هذا الأمر احتجاجات شدیدة من الدول الأعضاء في منطقة شنغن.
وقد أدی بعض تصریحات المسؤولين الحكوميين في فرنسا(وخاصة خلال فترة رئاسة نيكولا ساركوزي) في إضعاف اتفاقیة شنغن، وکذلك النهج السلبي لبلدان مثل بريطانيا تجاه هذه المعاهدة الجماعية، أدی إلی تعرض هذه الاتفاقیة لمزید من الضعف والمخاطر.
مع ذلك کان معظم المحللين يعتقدون أن الأزمات الواقعة لم تصل إلی الحد الذي یسفر عن ظهور مخاطر جدية تستهدف هذه الاتفاقیة الجماعیة. وحتی عندما أثارت بعض الحركات الراديكالية والقومية موضوع حظر هجرة الشبان من أوروبا الشرقية والجنوبیة (البلدان المتأزمة اقتصادياً) إلی البلدان الغنية الأعضاء في اتفاقية شنغن، عارضت الأغلبية المطلقة في الاتحاد الأوروبي هذا الحظر وفقاً لاتفاقية شنغن.
ولكن الحادث الإرهابي الأخير في فرنسا، قد استهدف اتفاقية شنغن بشکل مباشر، بحیث إن إمکانیة التردد السهل لعناصر داعش الأوروبیین إلی الدول الأعضاء في معاهدة شنغن، ستزید بشکل طبیعي قدرتهم علی النشاط في هذه الدول.
في هذه الأثناء ثمة وجهات نظر متباینة لدی الأحزاب والمجموعات الأوروبیة المختلفة حیال الرقابة الأمنية على الحدود، حیث یری بعض الأطراف أن أي تغيير أو انحراف في اتفاقية شنغن يعني وفاة هذه المعاهدة الجماعیة، لكن الآخرين يعتقدون أن اتفاقیة شنغن تحتاج إلی تغييرات هيكلية وحتی أساسیة في بعض الحالات من أجل بقاءها.
ما هو مؤكد أن خروج اتفاقية شنغن من الوضع الحالي، سیعني تغيير هذه المعاهدة، وبالتالي إعادة صياغتها. ولا ينبغي لنا أن ننسى أن شنغن تعدّ الرمز المشترك الثاني للاتحاد الأوروبي. حتى أن دولاً مثل النرويج وسويسرا والتي لم تدخل في منطقة اليورو أو حتی عضویة الاتحاد الأوروبي، قد قبلت العضوية في اتفاقية شنغن. ومع ذلك نشهد إضعاف هذه الاتفاقیة الأوروبیة الحدودیة والاستراتيجية بالتزامن مع إضعاف عملة اليورو.
إن العمليات الأخيرة في فرنسا أو هجمات عام 2012 الإرهابية في النرويج (علی ید أندرس بريفيك عضو تیار اليمين المتطرف) قد زادت من مستوى التأهب الأمني في أوروبا إلى حد كبير بالمقارنة مع السنوات السابقة. وفي بعض البلدان مثل فرنسا، بلغ مستوى التحذيرات الأمنية إلى ذروته، وفي مثل هذه الظروف فإن "مراقبة الحدود" لا يمكن تجنبها.
وقد جرت العادة حتی یومنا هذا أن یتم التنقل عبر حدود الدول الأعضاء في منطقة شنغن دون فحص جوازات السفر. ولکن هل یمکن أن تستمر الدول الأوروبية علی هذا النهج؟ إلی قبل وقوع الهجمات الإرهابية في باريس، کان منتقدو تقييد حركة مواطني الاتحاد الأوروبي داخل منطقة شنغن یعتقدون أنه على الرغم من التهديدات الأمنية المحتملة، فلا يمكن إزالة اتفاق جماعي. ومع ذلك لا نسمع الآن أحداً يتحدث عن التهديدات الأمنية المحتملة.
وفي الوقت الحالي تواجه فرنسا ودول أوروبية أخرى من بينها ألمانيا وأسبانيا وحتى الدول الاسكندنافية ، المخاطر الناجمة عن حضور المواطنين الأوروبيین-التكفيريین وکذلك الأشخاص التابعین إلی التيار القومي والراديكالي. وإن التحرك بحرية في منطقة شنغن سیزید من مستوی هذا التهديد الأمني الهائل بعشرات الأضعاف.
العديد من الأسئلة تتبادر إلی الذهن في الوقت الحاضر، والسؤال الأكثر أهمية هو أنه بناءً علی الوضع الأمني الصعب في أوروبا (الناجم عن النهج السياسي والأمني للدول الغربية نفسها)، فهل هناك إمکانیة للحفاظ على اتفاقیة شنغن في شکلها الحالي؟ وفي غیر هذه الحالة، هل سیکون لإلغاء اتفاقیة شنغن أو حتی سنّ قوانین أکثر صرامة للسفر في هذه المنطقة، اثرا سوی إضعاف الإتحاد الأوروبي بشکل شدید؟